وبالجملة إن السكن بالثغور والرباط والاعتناء به أمر عظيم  ، وكانت الثغور معمورة بخيار المسلمين علما وعملا ، وأعظم البلاد إقامة بشعائر الإسلام وحقائق الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان كل من أحب التبتل للعبادة والانقطاع إلى الله وكمال الزهد والعبادة والمعرفة يدلونه على الثغور .  [ ص: 359 ] 
وإنما اختار من اختار الرباط بثغور النصارى للحديث الذي في سنن  أبي داود  عن  ثابت بن قيس  قال : جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها أم خلاد  وهي منتقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول ، فقال لها بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة! 
فقالت : [إن] أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ابنك له أجر شهيدين" . قالت : ولم ذاك؟ قال : "لأنه قتله أهل الكتاب"  . 
وهذا بعض [الأخبار التي] تبين فضيلة سكنى الشام;   فإن أهل الشام  ما زالوا مرابطين من أول الإسلام لمجاورتهم النصارى ومجاهدتهم لهم ، فكانوا مرابطين مجاهدين لأهل الكتاب . ولهذا فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - جندهم على جند اليمن  والعراق;  مع ما قاله في أهل اليمن   . 
ففي سنن  أبي داود  وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إنكم ستجندون أجنادا; جندا بالشام  وجندا باليمن  وجندا بالعراق"  ، قال : فقلت يا رسول الله! خر لي ، فقال : "عليك بالشام  ، فإنها خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليها خيرته من عباده ، فمن أبى فليلحق بيمنه ، وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام  وأهله"  . قال الحوالي : ومن يتكفل الله به فلا ضيعة عليه .  [ ص: 360 ] 
وفي سنن  أبي داود  أيضا عن  عبد الله بن عمرو  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إنه ستكون هجرة بعد هجرة ، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم  ، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم ، تقذرهم نفس الرحمن ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير"  . 
وفي صحيح  مسلم  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  "لا يزال أهل الغرب ظاهرين"  . 
قال  الإمام أحمد   : أهل الغرب هم أهل الشام   . يعني : ومن يغرب عنهم; فإن التغريب والتشريق من الأمور النسبية ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بذلك وهو بالمدينة النبوية  ، فما تغرب عنها فهو غرب المدينة  ، كما أن حران  والرقة  ونحوهما خلف مكة   . 
				
						
						
