ويتبين لك أن قوله: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، وقوله: ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ، وقوله: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ونحو ذلك لا ينافي قوله: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وقوله: أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: . [ ص: 155 ] "أتدري ما حق الله على العباد؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا"
وتبين لك من ونحو ذلك. غضب الله وعقابه على من أشرك به وكفر، ومحبته ورضاه وفرحه لمن أطاعه وأناب إليه وتاب إليه
كما تبين لك أن آيات الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والآيات المخبرة بأن العباد فاعلون، لا تنافي آيات القدر المتضمنة أن فإن كثيرا من الناس تاهوا في الغايات المقصودة، كما تاه كثير من الناس في الأسباب الفاعلة، ولا بد من توحيد الربوبية بأن يكون الله خالق كل شيء وبأن يكون الله هو المعبود المقصود بذاته بالأفعال لا سواه. ولا يدفع ذلك من إثبات فعل العبد وقدرته ومشيئته واعتقاده، كما أنه لا بد من إثبات انتفاع العبد بالفعل، وأنه يعمل مصلحته ومنفعته، وأنه وإن قصد غيره فمقصده هذا، لأن في كون ذلك مقصودا معبودا صلاحه وانتفاعه. الله خلق أفعال العباد،
فإن الناس يغلطون في هذا، فكثير من الصوفية لا يلحظون هنا إلا غاية الألوهية، ولا يستشعرون أن ذلك منفعة للنفس وصلاحها.
وكثير من أهل الكلام كالمعتزلة وغيرهم لا يستشعرون أن لله في ذلك محبة ورضى وفرحا، بل لا غاية له إلا ما يعود على العبد.
كما أنهم كذلك يتنازعون في السبب الفاعل ما بين قدرية مجوس وجبرية نفاة، ومنحرفو الصوفية يغلب عليهم في الموضعين نفي ما في العبد من سبب وغاية، كما أن منحرفي المتكلمين من [ ص: 156 ] المعتزلة والرافضة يغلب عليهم نفي ما للرب من مبدأ ومنتهى من ربوبيته وإلهيته.