وأما المثبتة من الأشعرية ونحوهم، ففي جانب القدر يوافقون الصوفية، وأما في جانب الغاية فقد يوافقون المعتزلة، فتدبر هذا فإنه أصل عظيم.
وهذا المعنى يستقر في فطر الناس، كما أنه مستقر في فطرهم افتقار العبد في فعله إلى الله، ولهذا يحتملون المكاره طلبا للمنافع، ويتقون الشهوات طلبا لما هو أحب منها، ودفعا لما هو أضر من تركها، ويقولون: فعل ما تهوى يمنعك ما تهوى. وأمثال هذا الكلام وإنكار من أنكر من المرجئة لمعرفة حسن الفعل وقبحه بالفعل يتضمن إنكار هذه الغاية، كما أن القدرية لكون الله خالق أفعال العباد يتضمن إنكار السبب الفاعل. والفطرة والشريعة ترد على الطائفتين، أولئك منعوا غايات الأفعال وعواقبها ومصالحها، وأنه يجب عقلا الفرق بين فعل وفعل، ويجب عقلا كون هذا الفعل مقتضيا للمنفعة والصلاح، وهو حسنه، وكون هذا الفعل مقتضيا للمضرة والفساد، وهو قبحه، لكن ظن الأولون أن الحسن والقبح في حق الخالق والمخلوق قد يكون لذات الفعل، أو لصفة فيه، لا لغاية محبوبة أو مسخوطة، وهذا الظن الفاسد أوقع هؤلاء في نفي التفريق بين الحسن والقبيح، وسلموا الغاية الملائمة والمنافرة، لكن ظنوا أن الحسن والقبح في الشرع بغير المعنى، أو أن له حقيقة وراء هذه، وليس الأمر كذلك، بل الحسن مطلقا هو الملائم النافع المحبوب [ ص: 157 ] المرضي، والقبيح ضد ذلك، وصفات الكمال تعود إلى ذلك. فالحسن والقبح متعلقان بالعلة الغائية مطلقا، وقد بسطنا هذا في غير موضع، كقاعدة مفردة في غير ذلك. إنكار
والقدرية لم يثبتوا الغاية كما ينبغي، بل تخبطوا فيها، وإن كانوا من الحسن والقبح بأصله دون تفصيله الصحيح، ثم عدلوا الله بخلقه تشبيها باطلا مع غلوهم في إنكار التشبيه في الصفات، وإن كانوا أثبتوه هنا أصلا، كما له أصل في الصفات، ولكن جهلوا التفصيل هنا، كما جهلوا هناك الأصل، وأنكروا أن يكون الله نفسه هو الغاية المقصودة، وأنكروا السبب، فأنكروا كونه خالقا لأفعال العباد .