فإذا نهى عن المزابنة - وهي بيع الرطب بالتمر- لما في ذلك من بيع الربا بجنسه مجازفة، وباب الربا أشر من باب الميسر، ثم إنه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل الحاجة، وأمر رجلا أن يبيع شجرة له في ملك الغير- لتضرره بدخوله عليه- أو يهبها له، فلما لم يفعل أمر بقلعها ، فأوجب عليه المعاوضة لرفع الضرر عن مالك العقار، كما أوجب للشريك أن يأخذ الشقص بثمنه رفعا لضرر المشاركة والمقاسمة- فكيف إذا كان الضرر ما ذكر؟ أرخص في العرايا أن تباع بخرصها
ومعلوم أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها تقدر خير الخيرين بتفويت أدناهما، وتدفع شر الشرين باحتمال أدناهما، والفساد في ذلك أعظم مما يظن من حصول ضرر ما لأحد المتعاوضين، فإن هذا ضرر كبير محقق. وذاك إن حصل فيه ضرر فهو يسير قليل مشكوك فيه.
وأيضا فالمساقاة والمزارعة يعتمد فيها أمانة العامل، وقد يتعذر ذلك كثيرا فيحتاج الناس إلى المؤاجرة التي فيها مال مضمون في [ ص: 417 ] الذمة.
(ثم قال) : فهذا وجه من وجوه جواز المؤاجرة.