(ثم قال) : وأصل مسألة ضمان البساتين هو الفرق بين البيع والإجارة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، ولم ينه عن الإجارة ولا عن المساقاة والمزارعة. ونهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد، وهي جائزة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وباتفاق أصحابه وبالقياس، ويجوز ذلك على جميع الشجر، ويجوز على الأرض البيضاء والأرض [ ص: 419 ] التي فيها شجر، ويجوز سواء كان البذر من رب الأرض أو من العامل أو منهما، بل إذا كان البذر من العامل فهو أولى بالجواز، وهذا الذي فالمساقاة والمزارعة نوع من المشاركة، خيبر، عاملهم بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع على أن يعملوها من أموالهم. رواه عامل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل في صحيحه . البخاري
وكذلك الصحابة جوزوها على هذا الوجه.
ومن قال من الفقهاء أن يكون البذر فيها من رب الأرض قاسها على المضاربة، إذ كان المال فيها من واحد والعمل من آخر. وهو قياس فاسد من وجهين:
أحدهما: أن المال في المضاربة يعود إلى المالك، ويقتسمان الربح، والبذر هنا لا يعود إلى العامل، فلو كان يجري مجرى المال لوجب أن يعود نظيره إلى صاحبه، فعلم أنهم جعلوه من باب الأعيان التي تجري مجرى المنافع، كالماء الذي تسقى به الأرض والعلف الذي تعلف به البقر.
الوجه الثاني: أنه في المضاربة لو كان من هذا مال والعمل، ومن هذا مال والعمل من أحدهما لجاز ذلك في أصح قولي العلماء. فيجوز ببدنين ومال، ومال وبدنين، فكذلك يجوز نظيره في المساقاة والمزارعة. وكذلك المؤاجرة، لم ينه عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل ما فهذا لا يجوز. وإذا كانت الإجارة [ ص: 420 ] صحيحة فإنها تصح، سواء كانت الأرض تبعا ليس فيها شجر ولا بناء، أو كان فيها بناء أو بناء وشجر، أو كان فيها بياض أو شجر، أو فيها بناء وبياض، فكل هذا من باب الإجارة لا من باب بيع الثمر قبل بدو صلاحها. كما أن الإجارة في الأرض البيضاء لمن يزدرعها ليس من باب بيع الحب قبل أن يشتد، وذلك أن المبيع هو عين يجب على البائع تسليمها، فإذا باع الثمرة أو الحب كان على البائع السقي والخدمة وشق الأرض وغير ذلك، حتى تكمل الثمرة والزرع. وإذا آجر أرضا بيضاء أو أرضا فيها شجر وبياض أو شجر محض كان المستأجر هو الذي يسقي ويخدم ويشق الأرض، حتى يحصل الثمر والزرع بعمله، كما يحصل في المساقاة والمزارعة، لكن في المساقاة والمزارعة يستحق جزءا شائعا من الثمر والزرع، وفي الإجارة يستحق جميع الثمر والزرع، وعليه الأجرة المسماة في ذمته. نهى عنه من كراء الأرض ومن المخابرة فهو ما كانوا يفعلونه، وهو أن يشترط رب الأرض زرع بقعة بعينها،