[ ص: 328 ] وأما قول القائل: إن أفتى بخلافه، فقد اختلفت فتيا ابن عباس في ذلك، فنقل عنه ابن عباس وروي عنه أنه لا تقع، كما ذكر ذلك إيقاع الثلاث بكلمة واحدة، في سننه وغيره . أبو داود
والمقصود هنا أنه ليس في السنة قط أن أحدا طلق ثلاثا جملة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأوقعها به، وهذا لا ريب فيه.
وأما الإجماع فلا إجماع في المسألة ، بل قد نقل عن أكابر الصحابة - مثل الزبير وعبد الرحمن بن عوف وعلي وابن مسعود - أنه لا تقع الثلاث بكلمة واحدة، وهو قول غير واحد من التابعين ومن بعدهم، وابن عباس كطاوس وعكرمة وابن إسحاق وقول طائفة من أصحاب والحجاج بن أرطاة، من أهل مالك قرطبة وغيرهم، وقول طائفة من فقهاء الحديث من أصحاب وغيرهم، وكان جدنا أحمد أبو البركات يفتي بذلك أحيانا، وقول [طائفة] من الناس من أهل الحديث والكلام والفقه، وهو أحد قولي الظاهرية بل أكثرهم، وقول الشيعة.
وأما القياس فلا قياس في وقوعه، بل القياس أنه لا يقع، لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، بمعنى أنه لا يحصل للمنهي قصده، والمنهي عن الطلاق المحرم قصده وقوعه، ففساده يوجب أن لا يحصل مقصوده. كما أن المكره الظالم لما كان قصده وقوع الطلاق بالمكره لم يقع [ ص: 329 ] الطلاق من المكره.
فإن قيل: المنهي عنه إذا كان سببا للإباحة فينبغي أن لا يباح له، لأن المعصية لا تكون سببا للنعمة، وأما إذا كان سببا لإيجاب أو تحريم فإنه يصح، كالنذر والظهار، فإنه نهي عن النذر وانعقد، ونهي عن الظهار وانعقد.
قيل: أما الظهار فقد تقدم القول فيه، وبينا أنه نفسه قول منكر وزور، وأنهم كانوا يجعلونه طلاقا، فأبطل الشارع ذلك، وذكرنا أن هذا مما يحتج به من يقول "النهي يقتضي الفساد"، حيث لم يوقع الطلاق. وأما إيجاب الكفارة فيه فلكونه أتى بالمنكر من القول والزور، والكفارة قربة وطاعة، كما أوجب الكفارة في نظائر ذلك من الأمور المنهي عنها، كالجماع في رمضان وغيره.