وأما وهو حجة لنا، فإنه إذا النذر فإنه يمين، لم يلزمه، بل يجزئه كفارة يمين. وأما إذا نذر القرب فالقرب يحبها الله ورسوله، وإنما نهي عن النذر لاعتقاد أنه يقضي حاجته، لا لكون المنذور مكروها. وقال - صلى الله عليه وسلم -: نذر ما ليس بقربة ، والاستخراج من البخيل مما يحبه الله ورسوله، فلم يحصل بانعقاد النذر إلا ما يحبه الله ورسوله، لكن يخاف عليه أن لا يوفي. كما أن المحرم قبل الميقات يخاف عليه أن يرتكب المحظورات، وكذلك الشارع في التطوعات يخاف عليه أن لا يأتي بها، وما كان مفضيا إلى الطاعة لم يبطل خوفا من عدم الإتمام، بل قد يأمر بإتمامه، كما قال تعالى: "إنه يستخرج به من البخيل" وأتموا الحج والعمرة لله . [ ص: 330 ]
والمفسدة التي نهي عنها إنما هي إذا لم يفعل المنذور، أما مع فعله فالمصلحة راجحة، وإذا لم يفعل كان كاذبا، لكونه التزم ما لم يف به، وهو مذموم على الكذب، كما قال تعالى: *ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون . وقد ذكرنا أن نفس المنهي عنه إذا كانت المفسدة فيه فلا يمكن رفعها، وإنما يمكن رفع ما يترتب على ذلك. وأما الأفعال كالقتل والوطء والشرب إذا رفع محرما فهنا لا يمكن أن يقال: لا حكم له، بل وجوده كعدمه، بخلاف بيع الميتة ونكاح الأم، فإن هذا العقد باطل، وجوده كعدمه.