( الرابع ) : تقدم كلام ونص أبي الخطاب في الإمام وعدمه . وقال شيخ مشايخنا الاكتفاء في صلة الرحم بالسلام البلباني في آدابه ما نصه : واعلم أن المراد بصلة الرحم موالاتهم ومحبتهم أكثر من غيرهم لأجل قرابتهم ، وتأكيد المبادرة إلى صلحهم عند عداوتهم ، والاجتهاد في إيصالهم كفايتهم بطيب نفس عند فقرهم ، والإسراع إلى مساعدتهم ومعاونتهم عند حاجتهم ، ومراعاة جبر خاطرهم مع التعطف والتلطف بهم ، وتقديمهم في إجابة دعواتهم ، والتواضع معهم في غناه وفقرهم وقوته وضعفهم ، ومداومة مودتهم ونصحهم في كل شؤونهم ، والبداءة بهم في الدعوة والضيافة قبل غيرهم ، وإيثارهم في الإحسان والصدقة والهدية على من سواهم ، لأن الصدقة عليهم صدقة وصلة وفي معناها الهدية ونحوها .
ويتأكد فعل ذلك مع الرحم الكاشح المبغض عساه أن يرجع عن بغضه إلى مودة [ ص: 356 ] قريبه ومحبته . وفي الحديث { } . انتهى . الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنان صدقة وصلة
واعلم أن هذا كله ليس بواجب بل أكثره مندوب كما يعلم . وفي النهاية قد تكرر في الحديث صلة الرحم ، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار ، والتعطف عليهم ، والرفق بهم ، والرعاية لأحوالهم ، وكذلك إن بعدوا وأساءوا . وقطع الرحم ضد ذلك كله . يقال وصل رحمه يصلها وصلا وصلة ، والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة ، فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر . انتهى .
وفي الفتح قال : الرحم التي توصل عامة وخاصة ، فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتواد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة . وأما الرحم الخاصة فتزيد النفقة على القريب ، وتفقد أحوالهم ، والتغافل عن زلاتهم ، وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما في الحديث والأقرب فالأقرب . القرطبي
وقال ابن أبي حمزة : تكون صلة الرحم بالمال ، وبالعون على الحاجة ، وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه ، وبالدعاء . والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة ، وهذا إنما يستمر إذا كان فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا بأن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق ، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى . انتهى والله تعالى أعلم . أهل الرحم أهل استقامة ، فإن كانوا كفارا أو فجارا
( الخامس ) : المراد بما ذكرنا مع الرحم الموافق في الدين . أما إذا كان الشخص مسلما وهم كفار فلا يوالهم ولا يوادهم لقوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } الآية . ذكره البلباني ، وفيه نظر إلا أن حمل على عدم الوجوب . وفي حديث المتفق عليه ويأتي في بر الوالدين { أسماء } . جاءتني أمي مشركة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أصلها قال نعم
[ ص: 357 ] وروى عن الإمام أحمد { عامر بن عبد الله بن الزبير لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } إلى آخر الآية . فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها } . قال الإمام الحافظ أنه نزل فيها { ابن الجوزي طيب الله مثواه : وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم وإن كانت الموالاة منقطعة . وذكر عن بعضهم نسخها والتي بعدها بآية السيف .
وقال : لا وجه له ، لأن بر المؤمن المحاربين قرابة كانوا أو غير قرابة لا يحرم إذا لم يكن فيه معونة وتقوية على الحرب بكراع أو سلاح أو دلالة على عورة أهل الإسلام لحديث ابن جرير الطبري ، ولأن أسماء رضي الله عنه أهدى حلة الحرير لأخيه المشرك . عمر
وفي شرح في حديث مسلم : وفيه جواز أسماء . ففي كلام صلة القريب المشرك البلباني إجمال ظهر مما ذكرنا وهو المنع من موالاتهم مما فيه تقوية على حربنا دون غيره والله سبحانه الموفق .