قال علماؤنا : وليس من السنة ترك أكل الطيبات . ولا بأس بالجمع بين طعامين ومن السرف أن تأكل كلما اشتهيت .
قال الإمام ابن الجوزي في تبصرته : الشبع يوجب ترهل البدن وتكاسله وكثرة النوم وبلادة الذهن ، وذلك بتكثير البخار في الرأس حتى يغطي موضع الفكر والذكر . ومقام العدل أن لا يأكل حتى تصد الشهوة وأن يرفع يده ، وهو يشتهي الطعام . ونهاية المقام الحسن قوله عليه الصلاة والسلام : { ، والبطنة تذهب الفطنة وتجلب أمراضا عسرة } . ثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس
والأكل على مقام العدل يصح البدن ويبعد المرض ويقلل النوم ويخفف المؤنة ويرقق القلب ويصفيه فتحسن فكرته وتسهل الحركات والتعبدات ويحصل الإيثار ، ثم نقل عن رضي الله عنه أنه قال : من ضبط بطنه ضبط دينه ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة ، وإن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان ، والشبع يميت القلب ، ومنه يكون الفرح ، والمرح والضحك . إبراهيم بن أدهم
ثم أنشد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى رحمه الله تعالى ورضي عنه :
تجوع فإن الجوع يورث أهله مصادر بر خيرها الدهر دائم ولا تك ذا بطن وعيب وشهوة
فتصبح في الدنيا وقلبك هائم
قال ابن الجوزي : وقد تقلل [ ص: 117 ] جماعة من المتزهدين فضعفوا عن أداء الفرائض ، وذلك من أوامر الشيطان ، وإنما قد لا يجد الإنسان الحلال في وقت فيصبر ، وقد يؤثر . فأما الدوام على ما يضعف البدن ويوجب تنشف الرطوبات ويبس الدماغ فيخرج إلى الخيالات الفاسدة فذاك لا يفعله إلا الجهال ، وأما ترك الشهوات فقد اعتمده خلق من الصالحين ; لأنها توجب كثرة الأكل ولا يحتملها كسب الورع .
على أنه لا ينبغي أن يترك مطلقا إنما يترك ما يفعله أهل الترف من ألوان الأطعمة وإلا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى ، والعسل وأكل الدجاج . فأما أهل الغفلة فيأكلون شرها ولا ينظرون في حل المطعم ويتعدى أمرهم إلى شرب المسكر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم { } . : اجتنبوا أم الخبائث
وذكر عن محمد بن هشام النصيبي قال : كان عندنا رجل مسرف على نفسه يكنى أبا عمرو وكان يشرب الخمر فبينا هو كذلك انتبه ذات ليلة ، وهو فزع فقيل له : مالك ؟ فقال : أتاني آت في منامي هذا وردد علي هذا الكلام حتى حفظته ، وهو :
جد بك الأمر أبا عمرو وأنت معكوف على الخمر
تشرب صهباء صراحية سال بك السيل وما تدري
تلوم لما خلت أمامه قلت لها لا ولا كرامه
كسرة خبز وقعب ماء وسحق ثوب مع السلامه
خير من العيش في نعيم يكون من بعده ندامه
وخرجنا عن الوضع لكن في الإشارة . ما يغني عن بسط العبارة .