" فصل في فرض الله - عز وجل - في كتابه واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - "
: القرآن يوجب اتباع السنة
أنا ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، قال : قال الربيع - رحمه الله - تعالى : " وضع الله - جل ثناؤه - رسوله - صلى الله عليه وسلم - من دينه وفرضه وكتابه - الموضع الذي أبان (جل ثناؤه ) أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته ، وحرم من معصيته . وأبان فضيلته بما قرر : من الإيمان برسوله مع الإيمان به . فقال - تبارك وتعالى - : ( الشافعي آمنوا بالله ورسوله ) . وقال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع [ ص: 28 ] لم يذهبوا حتى يستأذنوه . ) فجعل دليل ابتداء الإيمان - الذي ما سواه تبع له - الإيمان بالله ، ثم برسوله - صلى الله عليه وسلم . فلو آمن به عبد ولم يؤمن برسوله - صلى الله عليه وسلم - لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا ، حتى يؤمن برسوله (عليه السلام ) معه " .
قال - رحمه الله - : " وفرض الله تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال في كتابه : ( الشافعي ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) . وقال تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) . وقال تعالى : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) " . وذكر غيرها من الآيات التي وردت في معناها . قال : " فذكر الله تعالى الكتاب ، وهو القرآن وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : - صلى الله عليه وسلم . وهذا يشبه ما قال (والله أعلم ) بأن القرآن ذكر ، وأتبعته الحكمة وذكر الله (عز وجل ) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب ، والحكمة . فلم يجز (والله أعلم ) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله ، وأن الله افترض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحتم على الناس اتباع أمره . فلا يجوز أن يقال لقول : فرض إلا لكتاب الله ، ثم سنة رسول الله - صلى الله [ ص: 29 ] عليه وسلم - ، مبينة عن الله ما أراد دليلا على خاصه وعامه ، ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه ، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . ثم ذكر الحكمة سنة رسول الله - رحمه الله - الشافعي . منها : قوله - عز وجل - : ( الآيات التي وردت في فرض الله (عز وجل ) طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) . فقال بعض أهل العلم : أولو الأمر أمراء سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهكذا أخبرنا والله أعلم ، وهو يشبه ما قال والله أعلم - : أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن تعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة ، فلما دانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطاعة ، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا طاعة مطلقة ، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم . قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ) . يعني إن اختلفتم في شيء ، وهذا إن شاء الله كما قال في أولي الأمر . لأنه يقول : ( فإن تنازعتم في شيء ) يعني (والله أعلم ) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم . ( فردوه إلى الله والرسول ) يعني (والله أعلم ) - إلى ما قال الله ، والرسول إن عرفتموه ، وإن لم تعرفوه سألتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه إذا وصلتم إليه ، أو من وصل إليه . لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه لقول الله - عز وجل - : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن ) [ ص: 30 ] ( يكون لهم الخيرة من أمرهم ) . ومن تنازع ممن بعد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد الأمر إلى قضاء الله ، ثم إلى قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا فيهما ، ولا في واحد منهما - ردوه قياسا على أحدهما .
وقال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) الآية .
قال : " نزلت هذه الآية فيما بلغنا - والله أعلم - في رجل خاصم الشافعي الزبير رضي الله عنه في أرض ، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بها ( للزبير رضي الله عنه ، وهذا القضاء سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا حكم منصوص في القرآن . وقال - عز وجل - : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ) ، والآيات بعدها . فأعلم الله الناس أن دعاءهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحكم بينهم ، دعاء إلى حكم الله ، وإذا سلموا لحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنما سلموا لفرض الله " . وبسط الكلام فيه .