الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فلما دخلت السنة السابعة عشرة : كتب عمر إلى البلدان بمواقيت الصلاة ، ووضع ما بين مكة والمدينة مياها للسابلة ، واتخذ دارا بالمدينة وجعل فيها الدقيق والسويق للمنقطع والضيف إذا نزل   .

وولى عمر المغيرة على البصرة ، فسار المغيرة إلى الأهواز فصالحوه على ألفي ألف درهم وثمانمائة ألف درهم ، ثم ارتدوا فغزاهم بعد ذلك أبو موسى الأشعري إلى أن افتتحها ، يقال : عنوة ، وقد قيل : صلحا .

وبعث أبو عبيدة بن الجراح عمرو بن العاص إلى قنسرين فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية ، وافتتح سائر أرض قيصر عنوة ، ويقال : إن في هذه السنة افتتح أبو موسى الأشعري الرهاء وسميساط صلحا .

ثم أراد عمر الخروج إلى الشام ، فخرج حتى إذا بلغ سرغ لقيه أمراء الأجناد : أبو عبيدة بن الجراح ، ويزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل ابن حسنة ، وأخبروه أن الأرض وبية ،  فقال عمر لابن عباس : اجمع إلي المهاجرين الأولين ، فجمعهم له واستشارهم ، فاختلفوا [ ص: 215 ] عليه ، فمنهم القائل : خرجت لوجه تريد فيه الله والدار الآخرة ، ولا نرى أن نصدك عنه ، ومنهم من يقول : لا نرى أن تقدم عليه وتقدم الناس ، فلما اختلفوا عليه قال : قوموا عني ، ثم جمع الأنصار واستشارهم فسلكوا طريق المهاجرين ، فلما اختلفوا عليه قال : قوموا عني ، ثم جمع مهاجرة الفتح فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم اثنان ، قالوا جميعا : ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء ، فقال عمر لابن عباس : أخبر الناس أن أمير المؤمنين يقول : إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه ، فأصبح عمر على ظهر وأصبح الناس عليه ، فقال : أيها الناس إني راجع فارجعوا ، فقال له أبو عبيدة بن الجراح : يا أمير المؤمنين ، أفرارا من قدر الله ؟ قال : نعم ، نفر من قدر الله إلى قدر الله ، لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدوتان : إحداهما خصبة ، والأخرى جدبة ، أليس يرعى من يرعى الجدبة بقدر الله ، ويرعى من يرعى الخصبة بقدر الله ؟ ثم خلا به بناحية دون الناس ، فبينا الناس على ذلك إذ لحقهم عبد الرحمن بن عوف ، وكان متخلفا ولم يشهد معهم يومهم بالأمس ، فقال : ما شأن الناس ؟ فأخبره الخبر فقال : عندي من هذا علم ، فقال عمر : ما عندك ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه ، لا يخرجنكم إلا ذلك " فقال عمر : فلله الحمد ، فانصرفوا [ ص: 216 ] أيها الناس ، فانصرف بهم . ورجع أمراء الأجناد إلى أعمالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية