ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب  سرية إلى بني عامر  قبل نجد   في أربعة وعشرين رجلا فأغار عليهم ، فجاءوا نعما وشاء ، فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا ، ونفلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا . 
 [ ص: 32 ] ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  زيد بن حارثة  إلى مؤتة  ناحية الشام ،   فأوصاه بمن معه من المسلمين خيرا ، وقال : إن أصيب زيد  فجعفر بن أبي طالب  على الناس ، وإن أصيب جعفر   فعبد الله بن رواحة  على الناس ، وتجهز الناس معه فخرج معه قريبا من ثلاثة آلاف من المسلمين ، ومضى حتى نزل معان من أرض الشام ،  فبلغهم أن هرقل  قد نزل مآب من أرض البلقاء  في مائة ألف من الروم ،  فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم ، فشجع الناس  عبد الله بن رواحة ،  وقال : يا قوم ، والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم من أجلها ، الشهادة ، ولا نقاتل الناس بعدد ولا قوة ، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا ; فإنما هي إحدى الحسنيين : إما ظهور ، وإما شهادة ، فقال الناس : قد والله  [ ص: 33 ] صدق  ابن رواحة ،  ثم رحلوا ، فلما كانوا بالقرب من بلقاء لقيهم جموع هرقل  في الروم ،  فلما دنا العدو انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة  فتعبأ لهم المسلمون ، وجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة  يقال له : قطبة بن قتادة ،  وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار من بني سعد بن هريم  يقال له : عبادة بن مالك ،  ثم التقى الناس فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقاتل  زيد بن حارثة  براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ، ثم أخذها جعفر  فقاتل بها حتى ألحمه القتال ، فاقتحم عن فرسه الشقراء وعرقبها ، وقاتل حتى قتل ، وفيه اثنتان وسبعون ما بين ضربة بالسيف ، وطعنة بالرمح ، ثم أخذ  عبد الله بن رواحة  الراية ، وتقدم بها وهو على فرسه ، فقاتل حتى قتل ، وأخذ الراية ثابت بن أقرم ،  وقال : يا معشر المسلمين ، اصطلحوا على رجل منكم . قالوا : أنت . قال : ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على  خالد بن الوليد ،  فأخذ خالد  الراية ، ودافع القوم ، وحاشى  [ ص: 34 ] بهم ، ثم انصرف بالناس فنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس  جعفر بن أبي طالب ،  وزيد بن حارثة ،   وعبد الله بن رواحة  قبل أن يجيء خبرهم ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما ; فإنه قد جاءهم ما يشغلهم ، وقدم  خالد بن الوليد  بالمسلمين فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، والصبيان يحثون على الجيش التراب ، ويقولون : أفررتم في سبيل الله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، ليسوا بالفرارين ، ولكنهم الكرارون . 
				
						
						
