ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  عمرو بن العاص  إلى ذات السلاسل ، وهم قضاعة ،   وكانت أم العاص بن وائل  قضاعية ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بذلك ، فخرج في سراة المهاجرين  [ ص: 35 ] والأنصار ، ثم استمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي عبيدة بن الجراح  على المهاجرين والأنصار ، فيهم أبو بكر  وعمر ،  فلما اجتمعوا ، واختلف أبو عبيدة   وعمرو بن العاص  في الإمامة . فقال المهاجرون : أنت أمير أصحابك ،  وأبو عبيدة  أميرنا ، فأبى  عمرو بن العاص ،  وقال: أنتم لي مدد . فقال أبو عبيدة :  إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي : إذا قمت على أصحابك فتطاوعا ، وإنك إن عصيتني لأطيعنك ، فأطاعه  أبو عبيدة بن الجراح ،  وكانوا يصلون خلف  عمرو بن العاص ،  وفيها صلى بهم وهو جنب ، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر ، فقال عمرو :  لقيت من البرد شدة ، وإني لو اغتسلت خشيت الموت ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عمرو : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله : ولا تقتلوا أنفسكم   . الآية . 
وفي هذا الشهر كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خزاعة بن  [ ص: 36 ] بديل ،  وبشر ،  وسروات بني عمرو  يدعوهم إلى الله ، ويعرض عليهم الإسلام . 
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا قتادة  سرية إلى غطفان   في ستة عشر رجلا فبيتوهم ، وأصابوا نعما ، وشياها ، ورجعوا إلى المدينة ، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا عبيدة بن الجراح  في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار قبل جهينة ،  وزودهم جراب تمر فأصابهم جوع شديد وكان أبو عبيدة  يعطيهم جفنة جفنة ، ثم أعطاهم تمرة تمرة ، ثم ضرب لهم البحر بدابة ، يقال لها : العنبر ، فأكلوا منها شهرا ، ثم أخذ أبو عبيدة  ضلعا فنصبه فمر راكب البعير تحته ، فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه ، فقال : هو رزق رزقتموه من الله ، هل عندكم منه شيء ؟ وسمى هذا الجيش جيش الخبط ، وذلك أنهم جاعوا فكانوا يأكلون الخبط حتى صارت أشداقهم كأشداق الإبل .  [ ص: 37 ] ثم استشار  عمر بن الخطاب  رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لي أرضا بخيبر  لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني ؟ قال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ، فحبس عمر  أصلها وتصدق بها ، لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء والغرباء ، وما بقي أنفق في سبيل الله ، وابن السبيل ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، وأن يعطي طريفا عنه غير متمول فيه  . 
				
						
						
