ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من كان في بيته صنم أن يكسره ، فكسروا الأصنام كلها ،  وكسر  خالد بن الوليد  العزى ببطن نخلة ،  وهدم بيته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تلك العزى لا تعبد أبدا ، وكسر  عمرو بن العاص  سواع ، ثم قال للسادن : كيف رأيت . قال :  [ ص: 61 ] أسلمت لله ، وكسر سعد بن زيد الأشهلي  المناة بالمشلل . 
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول مكة  الناس يدعون إلى الله ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث  خالد بن الوليد ،  وأمره أن يسير بأسفل تهامة  داعيا ، ولم يبعثه مقاتلا ، ومعه سليم  ومدلج  ، وقبائل من غيرهم ، فلما نزلوا بغميصاء  وهي من مياه بني جذيمة  ، وكانت بنو جذيمة  قد أصابوا في الجاهلية عوف بن عبد أبا عبد الرحمن بن عوف  ، والفاكه بن المغيرة  كانا أقبلا تاجرين من اليمن  حتى إذا نزلا بهم قتلوهما ، وأخذوا أموالهما ، فلما كان الإسلام بلغ  خالد بن الوليد  إليهم ، ورآه القوم  [ ص: 62 ] أخذوا السلاح ، فقال لهم خالد :  ضعوا السلاح ; فإن القوم أسلموا ، فوضع القوم السلاح لقول خالد ،  فلما وضعوها أمر بهم خالد  فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم أبرأ إليك مما صنع  خالد بن الوليد  ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  علي بن أبي طالب ،  فقال : يا علي ،  اخرج إلى هؤلاء القوم ، وانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك ، فخرج علي  حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ودى لهم الدماء ، وما أصيب من الأموال حتى لم يبق لهم شيء من دم ولا مال إلا وداه ، وبقيت معه بقية ، فقال لهم  [ ص: 63 ] علي : بقي لكم من دم أو مال لم يود إليكم ؟ قالوا : لا . قال : فإني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . قال : أصبت . 
ثم إن هوزان  لما سمعت بجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخوله مكة  اجتمعت مع ثقيف  ، وجشم  ، وسعد بن بكر ،  وكان في بني جشم  دريد بن الصمة ،  وهو شيخ كبير ليس فيه إلا التيمن برأيه ، وبعلمه بالحرب ، وفي ثقيف  قارب بن الأسود بن مسعود ،  وفي بني بكر سبيع بن الحارث ،  وكان جماع أمر الناس إلى  [ ص: 64 ] مالك بن عوف ،  فأجمع  مالك  بالناس على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساروا حتى إذا أتوا بأوطاس  ومعه الأموال ، والأبناء ، والنساء ، فقال دريد بن الصمة :  بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس   . قال : نعم ، مجال الخيل لا حزن ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء الإبل ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف  بأوطاس  مع الناس أموالهم ، ونساءهم ، وأبناءهم ، فقال : أين مالك ، فقيل : هذا مالك . فقال دريد :  يا مالك ، إنك أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ؟ فقال  مالك :  سقت مع الناس أموالهم ، وأبناءهم ، ونساءهم . قال : ولم ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم ، فأنقض به  [ ص: 65 ] فقال : وهل يرد القوم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ما فعلت كعب  وكلاب ؟  قال  مالك :  لم يشهد منهم أحد . قال : غاب الحد والجد ، لو كان علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ، ولا كلاب ، يا مالك لا تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن  إلى نحور الخيل شيئا ، ارفعهم في متمنع بلادهم ، وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل ، فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك ، وقد أحرزت مالك وأهلك . قال : تلك والله لا أفعل لتطيعنني يا معشر هوازن  أو لأتكئن على هذا السيف حتى  [ ص: 66 ] يخرج من ظهري ، وكره أن يكون فيها لدريد ذكر ورأي . قالوا : أطعناك ، فقال مالك للقوم : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا عليهم شد رجل واحد . وجاء الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ،  فدخل في الناس فأقام فيهم حتى سمع وعلم من كلام  مالك  ، وأمر هوازن  ما كان وما أجمعوا له ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . 
				
						
						
