فأجمع على المسير إلى هوازن   . 
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عند  صفوان بن أمية  أدراعا ، فأرسل إليه ، فقال يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك نلقى فيها  [ ص: 67 ] عدونا ، فقال صفوان : أغصبا ؟ قال : لا ، بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك ، قال : ليس بهذا بأس ، فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح ، وسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفيه حملها ، فحملها صفوان  لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة  معه ألفان من أهل مكة  وعشرة آلاف من أصحاب الذين فتح الله بهم مكة ، واستعمل على مكة  عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية  أميرا ، وكان مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة  خمس عشرة ليلة يقصر فيها الصلاة ; فبينا الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرون إذ مروا بسدرة ، قال أبو قتادة الليثي :  يا رسول الله ، اجعل هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط ، وكان للكفار سدرة يأتونها كل سنة ويعلقون عليها أسلحتهم ، ويعكفون عليها ويذبحون عندها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر قلتم ، والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل :  اجعل لنا إلها كما لهم آلهة  لتركبن سنن من قبلكم   . 
 [ ص: 68 ] فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي حنين ،  وانحدر المسلمون  [ ص: 69 ] في الوادي قرب الصبح وهو واد أجوف ، وقد كمن المشركون لهم في شعابه ومفارقه فأعدو للقتال . فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينحدر والمسلمون بالوادي إذ اشتدت عليهم الكتائب من المشركين شد رجل واحد ، وانهزم المسلمون راجعين ، لا يعرج أحد ، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ، ثم قال : أين أيها الناس ؟ هلموا ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله ،  واحتملت الإبل بعضها بعضا ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لا يعطفون على شيء قال : يا عباس ، اصرخ : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة ، فنادى العباس ،  وكان امرأ جسيما شديد الصوت : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة ، فأجابوا : لبيك لبيك ، وكان الرجل من المسلمين يذهب ليثني بعيره فلا يقدر على ذلك ، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ، ثم يأخذ سيفه وترسه ، ثم يقتحم عن بعيره فيخلي سبيل بعيره ، ويؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل ، واستقبلوا الناس وقاتلوا ، وكانت الدعوة أول ما كانت يا للأنصار ، ثم جعلت أخيرا ، فقالوا : يا للخزرج ، وكانوا صبرا عند  [ ص: 70 ] الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركابه ، ونظر إلى مجتلد القوم فقال : الآن حمي الوطيس ، وإذا رجل من هوازن  على جمل أحمر في يده راية سوداء ، وفي رأسه رمح طويل أمام الناس ، وهوازن  خلفه ، فإذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته رفعه لمن وراءه ويتبعونه ، فأهوى إليه  علي بن أبي طالب  ورجل من الأنصار يريدانه ، فأتاه علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، وثبت الأنصار على الرجل فضربوه ضربة أطن بها قدمه بنصف ساقه واختلف الناس ، وكان شعار المهاجرين يومئذ : يا بني عبد الرحمن ، وشعار الخزرج :  يا بني عبد الله ، وشعار الأوس   : يا بني عبيد الله . 
 [ ص: 71 ] وكانت  أم سليم بنت ملحان  مع زوجها  أبي طلحة ،  فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حازمة وسطها ، ومعها جمل  أبي طلحة ،  فقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يقاتلونك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أويكفي الله يا  أم سليم ،  وإنها يومئذ لحبلى بعبد الله بن أبي طلحة  ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة :  ما هذا الخنجر معك يا  أم سليم ؟  قالت : خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجت بطنه ، فقال أبو طلحة   : يا رسول الله ، ألا تسمع ما تقوله  أم سليم   . 
ورأى أبو قتادة  رجلين يقتتلان : مسلم ومشرك ، فإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه ، فأتاه أبو قتادة  فضرب يده فقطعها فاعتنقه المشرك بيده الثانية وصدره ، فقال أبو قتادة :  والله ما تركني حتى وجدت ريح الموت ، فلولا أن الدم تزفه يقتلني ، فسقط وضربته فقتلته ،  [ ص: 72 ] ثم انهزم المشركون ، وأخذ المسلمون يكتفون الأسارى ، فلما وضعت الحرب أوزارها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلا فله سلبه . فقال رجل من أهل مكة :  يا رسول الله ، لقد قتلت قتيلا ذا سلب ، وأجهضني عنه القتال ، فلا أدري من سلبه ، فقال رجل من أهل مكة :  يا رسول الله ، أنا سلبته فأرضه مني عن سلبه ; فقال  أبو بكر الصديق :  أيعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله تقاسمه سلبه ، رد عليه سلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق أبو بكر ، رد عليه سلبه، فرد عليه   . قال أبو قتادة :  فبعته فاشتريت به مخرفا في المدينة ;  لأنه أول مال تأثلته في الإسلام . 
 [ ص: 73 ] وكان على راية الأحلاف من ثقيف  يوم حنين  قارب بن الأسود ،  فلما رأى الهزيمة أسند رايته إلى شجرة وهرب . وكان على راية بني مالك  ذو الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله ،  وأقامها للمشركين ، فقتل عثمان ،  وانحاز المشركون منهزمين إلى الطائف ،  وعسكر بعضهم بأوطاس . 
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيول في آثارهم ، فأدرك ربيعة بن رفيع  دريد بن الصمة ،  وهو في شجار على راحلته ، فأخذ  [ ص: 74 ] بخطام جمله ، وهو يظن أنه امرأة ، فلما أناخه إذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد ،  ولا يعرفه الغلام ، فكان ربيعة غلاما ، قال دريد :  ماذا تريد بي ؟ قال : أقتلك . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي ،  وضربه ربيعة  بسيف فلم يقدر شيئا ، فقال له دريد :  بئس ما أسلحتك أمك ، خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار ، ثم اضرب ، وارفع عن العظام ، واخفض عن الدماغ ، فإني كذلك كنت أقتل الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة  بسيفه . 
				
						
						
