[ ص: 176 ] مثل من يعظ القلوب الخربة
مثل من يعظ القلوب الخربة مثل رجل عمد إلى خراب قد تلزق عليه الدخان والغبار واسود من كثرة ذلك فكلما طينه لم يلزق به الطين وتساقط فهو بين أمرين إما أن يحكه أو يغسله حتى زال عنه ذلك الغبار والدخان حتى يلزق به الطين فإن عجز عن ذلك وإلا تابع الطين عليه فكلما تساقط ضربه بآخر مرة بعد أخرى إلى أن يلزق فلا يزال يردد عليه ذلك حتى يزيل جميع ما كان عليه من الدخان بتتابع الطين مرة بعد مرة
فكذلك القلوب التي قد رانت من كثرة الذنوب إذا لاقت الموعظة تهافتت عنها بمنزلة الجدار الذي مثلناه فإذا تاب العبد وفزع من المعاصي واستغفر فلاقته الموعظة قبل القلب ذلك وأقبل على الطاعة ثم أقبل بعد ذلك على حسن الطاعة فعبد الله كأنه يراه فذلك منه الإحسان الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل صلوات الله عليه حيث سأله عن الإيمان والإسلام والإحسان فقال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه
[ ص: 177 ] فهذا القلب كجدار غسل وطين ثم جصص فصار أبيض ثم ينقش ويطيب فصار مطيبا منقوشا
فالقلب التزق عليه دخان الذنوب وغبارها لقوله سبحانه وتعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فإذا تاب صقل القلب وأضاء فإذا لاقته الموعظة لاقت قلبا مصقولا فصارت المواعظ له عيانا كأنه يشاهدها بعيني الفؤاد ما يوصف له فصار كالمرآة إذا رينت فما رآه فيها أبصره كالخيال فإذا صقلت أبصر فيها كل ما قابلها من شيء خلف ظهره وبين يديه وأبصر مثال وجهه فيها فإذا قابلها بعين الشمس وقع ضوء الشمس في البيت الذي ليس للشمس فيه موضع إشراق وذلك [ ص: 178 ] لأن النورين إذا اجتمعا والتقيا نور الشمس ونور المرآة تولد من 70 بينهما نور فوقع في البيت المظلم فأضاء فكذلك القلب الذي عليه رين الذنوب بمنزلة المرآة التي قد صدئت فإذا فكرت شيئا من أمور الآخرة لم يتراء لك فإذا صقل قلبك بالتوبة والاستغفار صار كالمرآة المجلاة فإذا فكرت في سالف الذنوب وتراءى لك قبحها فاشتد عليك وإذا فكرت فيما أعده الله لأهل المعاصي ذكرتك وأرعبت قلبك بتعظيم ما تمثل لك من عقابه (إذا أذنب العبد ذنبا نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا عاد نكتت أخرى فلا يزال كذلك حتى يسود القلب ثم قرأ قوله تعالى
وإذا فكرت في دار المطيعين برمت بالحياة شوقا إلى تعظيم ما تمثل لك من كراماته لعبده
وإذا فكرت في العرض الأكبر هالك شأنه وأخذك القلق وعمل فيك الحياء من ربك
وإذا فكرت في أمر الملكوت عظم شأن العبودة عندك فإذا لاحظت جلاله وعظمته صار صدرك بمنزلة البيت الذي وقع [ ص: 179 ] فيه نور الشمس حيث قابلتها بتلك المرآة فصار الصدر منك ممتلئا نورا قد غاب عنك في ذلك النور جميع ما تراءى لك قبل ذلك في وقت فكرتك في أمر الجنة والنار وأمر الذنوب وكل شيء سواه ولها قلبك عن ذلك كله ووقع قلبك في بحار العظمة فتقع في الوله إلى الله فإذا صار هذا القلب كجدار غسل وطين ثم جصص فصار أبيض ثم نقش وطيب فصار مطيبا منقوشا فحينئذ أقبل إلى الإحسان وعلى حسن الطاعة بأن يعبد الله كأنه يراه فذاك منه الإحسان الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام