مثل انقياد النفس
مثل انقياد النفس في أعمال البر مثل رجل قيل له في ليلة شاتية مظلمة احمل هذه الحمولة إلى موضع كذا فهاله ذلك جدا وثقل عليه وهاله شأنها وأظهر العجز والضعف والوهن من نفسه
فإن قيل له احملها ولك ألف درهم أو دنانير فثار فيه فرح تلك الدنانير حتى أخذ من قرنه إلى قدمه بما رجا نواله [ ص: 143 ] فوجد من القوة من قلبه فاحتملها مسرعا في السير وأظهر من نفسه قوة فإنما قواه على ذلك فرح .الدنانير فهذا مثل عبد حمل رجاء الثواب والنوال
ولو لم يقل له لك دنانير ترجو نوالها ولكن قال له احملها وإلا ضربتك بالسيف فوجد من القوة ما احتملها واستخف بها من خوف السيف فهذا عبد عمل على خوف الوعيد والعقاب
ولو لم يكن هناك طمع ولا خوف ولكن قيل له احملها فتلكأ وحرن وأظهر العجز عنها فقيل له أتدري أن هذه الحمولة لمن قال لا فقيل هي لفلان فذكر رجل أعز الخلق عليه وأحبهم إليه فهاج من حبه في قلبه ما نسى الدنانير والسيف وأخذته من الحرمة لذلك الرجل والحياء ما لا يجد من نفسه ترك حمولته على قارعة الطريق حتى تضيع فاحتملها بقوة أشد من الأولين ونشاط وسرور ما لم يعلم أنه عليه شيء من الحمولة فهذا عبد عمل على حب الله تعالى فبحبه الله أحب صاحب الحمولة فلا يترك نصحا في ذلك العمل إلا بذله وأشفق [ ص: 144 ] إشفاقا يصونه عن الانكسار وعن صدوم الآفة لحب صاحبها
فالأول يحملها طمعا لتلك الدنانير فلا يكون له شفقة على تلك الحمولة أن يبلغ بها الموضع الذي أشير له إليه وكذا الذي خوف بالسيف إنما باله أن يبلغ بالحمولة المكان الذي أمر ثم إن أصابها في الطريق عثائر من صدمة أو تغير حال لا يبالي إنما بالى بحملها مخافة من السيف
فالأول إنما باله الوصول إلى ما طمع فيه من النوال وهذا الذي عرف لمن هذه الحمولة أخذته الشفقة على تلك الحمولة فالأخير حملها محبة لصاحبها حتى احتملها إلى أن يتوقاها من الآفات وإبلاغها إلى الأصل
والثاني إنما باله إبلاغها إلى الأصل للثواب والنجاة
وكذا عمال الله تعالى منهم من يعمل على الكسل والعجز على التجويز والشايذبوذ فإذا انتبه للوعد والنوال جد واجتهد فعند الانتباه إنما باله الوصول إلى ما أطمع وليس له شفقة على المحمل
والثالث عمل على الحرمة والشفقة على حقوقه فوقاه [ ص: 145 ] العثار وصدمات النفس وعمله على الهشاشة والسماحة والانطلاق
حال المشفق
قال له قائل صف لنا حال المشفق في أموره قد عرفنا الصنفين فمن هذا الثالث قال هذا عبد محب لربه فهو يتحرى مسراته في الأمر كما روي عن الله تعالى أنه قال يا عيسى أنزلني من نفسك كهمك وتحر مسرتي في الأمور
فالمحب لربه إنما باله من الأمور طلب مسراته ماذا يحب ربي من هذا الأمر وماذا يسره