[ ص: 187 ] مثل رياضة النفس
مثل رياضة النفس مثل دابة سالمة لم تربط إلى آري فكانت ترتع في البراري تذهب حيث شاءت إلى نهماتها لا تعرف مالكها ولا تعلم سيرها فإذا أراد أن يجعلها مركبا أخذها الرابض بالوهق والحبل ثم قيدها حتى أمكنته من اللجام والسرج ثم ركبها فاضطربت بنفسها إلى الأرض فلا تزال هكذا حتى انقادت للركوب عليها واعتادت اللجام والسرج فاستغنى عن القيد ثم كانت تسير ولا تعلم السير فلم تزل تؤدب لتعلم السير وتترك مرادها فردها من مرادها ومن نهمتها وسيرها إلى مراد نفسه ثم لما صارت إلى الأنهار والحفائر وثب بها لتعتاد العبور عليها ولم يجرها على القنطرة فتعتاد الجري على القنطرة فليس على كل نهر توجد قنطرة ثم سار بها في جلب الأسواق في النجارين والحدادين ونحوهما ليعودها الجلبة كي لا تنفر ولا تترك سيرها عند كل جلبة [ ص: 188 ] تستقبلها فلا يزال يرد بها هكذا حتى يأخذ بمجامع قلبها وتترك أذنيها مصغية إلى هذه الرياضة فهي تسير بهذا اللجام فإن مد عنانها بإصبع وقفت وإن عطفت بإصبع انعطفت وإن تحامل بركابيها وأرخى عنانها طارت وإن كبح لجامها في ذلك الطيران بإصبع هدأت وسكنت وإن نزل عنها ووقفها امتنعت من أن تروث وتبول حتى تصير إلى موضعها وإن استقبلتها جلبة لم تلتفت إلى ذلك ودأبت في سيرها وإن استقبلها نهر لم تلتفت إلى قنطرة ووثبت وثبة من رفع البال عن نفسها
فهذه دابة قد صلحت للملك فعرضت عليه فاستحلاها واتخذها لنفسه مركبا فربطت إلى آرية وأعلفت من أطايب الأعلاف وغلا في ثمنها وجللت وبرقعت وأريحت فمن بين الأيام ينشط الملك مرة للركوب عليها
[ ص: 189 ] فكذا النفس أولا تراض بحفظ الحدود فهذا سرجها ولجامها والركوب هو الفرائض ولجامها الحدود التي حرم الله تعالى ثم تراض فتؤخذ بالصدق والإخلاص في الأعمال وحسن الأخلاق كما أمرت الدابة بحسن السير وبالعطف في المعاطف والطيران عند التحامل عليها وذلك السبق بالأعمال من العبد .والمسارعة في الخيرات ثم يؤخذ عليه بقول الحق وألا يخاف في الله لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أخذت الدابة بالوثب حيث لا قنطرة ولا مجاز للماء ثم يؤخذ عليه بالمعاداة لأهل المنكر والمعاصي والحب لله والبغض في الله كما أخذ على الدابة تقلبها في العبور والأسواق
فهذا بذل النفس لله فإذا قد استكمل الأدب وأخذ الله بقلبه فصار صغو أذني فؤاده إلى الله تعالى وشخصت عينا فؤاده تنظران إلى الله تعالى وإلى تدبير الله جل وعلا في خلقه فهذا ولي الله قد أدبه واصطفاه لنفسه واتخذه حبيبا مثل الإيمان والأعمال الصالحة