المسألة الرابعة  
[ قراءة البسملة ]  
اختلفوا في  قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح القراءة في الصلاة   ، فمنع ذلك  مالك  في الصلاة المكتوبة جهرا كانت أو سرا ، لا في استفتاح أم القرآن ، ولا في غيرها من السور ، وأجاز ذلك في النافلة .  
وقال  أبو حنيفة ،   والثوري  ،  وأحمد     : يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرا ، وقال   الشافعي     : يقرؤها ولا بد في الجهر جهرا ، وفي السر سرا ، وهي عنده آية من فاتحة الكتاب ، وبه قال  أحمد  ،   وأبو ثور ،  وأبو عبيد     .  
واختلف قول   الشافعي  هل هي آية من كل سورة ؟ أم إنما هي آية من سورة النمل فقط ، ومن فاتحة الكتاب ؟ فروي عنه القولان جميعا .  
وسبب الخلاف في هذا آيل إلى شيئين : أحدهما : اختلاف الآثار في هذا الباب . والثاني : اختلافهم : هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب أم لا ؟ فأما الآثار التي احتج بها من أسقط ذلك ، فمنها  حديث  ابن مغفل  قال "  سمعني أبي وأنا أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : يا بني إياك ، والحدث ، فإني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وأبي بكر  ،  وعمر  ، فلم أسمع رجلا منهم يقرؤها     " قال   أبو عمر بن عبد البر     :  ابن مغفل  رجل مجهول .  
ومنها ما رواه  مالك  من حديث  أنس  أنه قال : "  قمت وراء  أبي بكر  وعمر  وعثمان     - رضي الله عنهم - فكلهم كان لا يقرأ بسم الله إذا افتتحوا الصلاة     " قال  أبو عمر     : وفي بعض الروايات أنه قال : "  خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم     " فقال  أبو عمر     : إلا أن أهل الحديث قالوا في حديث  أنس   [ ص: 107 ] هذا : إن النقل فيه مضطرب اضطرابا لا تقوم به حجة ، وذلك أنه مرة روي عنه مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرة لم يرفع ، ومنهم من يذكر  عثمان  ومن لا يذكره ، ومنهم من يقول : فكانوا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من يقول : فكانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من يقول : فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم  
وأما الأحاديث المعارضة لهذا ، فمنها حديث   نعيم بن عبد الله المجمر  قال :  صليت خلف   أبي هريرة  ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن ، وقبل السورة وكبر في الخفض والرفع وقال : أنا أشبهكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم     - ومنها حديث   ابن عباس     "  أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم     " ومنها حديث   أم سلمة  أنها قالت : "  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين     " فاختلاف هذه الآثار أحد ما أوجب اختلافهم في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة .  
والسبب الثاني كما قلنا هو :  هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من أم الكتاب   وحدها أو من كل سورة أم ليست آية لا من أم الكتاب ولا من كل سورة ؟ فمن رأى أنها آية من أم الكتاب أوجب قراءتها بوجوب قراءة أم الكتاب عنده في الصلاة ، ومن رأى أنها آية من أول كل سورة وجب عنده أن يقرأها مع السورة ، وهذه المسألة قد كثر الاختلاف فيها ، والمسألة محتملة ، ولكن من أعجب ما وقع في هذه المسألة أنهم يقولون : ربما اختلف في هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن في غير سورة النمل ؟ أم إنما هي آية من القرآن في سورة النمل فقط ؟ ويحكون على جهة الرد على   الشافعي  أنها لو كانت من القرآن في غير سورة النمل لبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن القرآن نقل تواترا ، هذا الذي قاله القاضي في الرد على   الشافعي  وظن أنه قاطع ، وأما  أبو حامد  فانتصر لهذا بأن قال : إنه أيضا لو كانت من غير القرآن لوجب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبين ذلك ، وهذا كله تخبط وشيء غير مفهوم ، فإنه كيف يجوز في الآية الواحدة بعينها أن يقال فيها : إنها من القرآن في موضع ، وإنها ليست من القرآن في موضع آخر ، بل يقال : إن بسم الله الرحمن الرحيم قد ثبت أنها من القرآن حيثما ذكرت ، وأنها آية من سورة النمل ، وهل هي آية من سورة أم القرآن ومن كل سورة يستفتح بها ، مختلف فيه ، والمسألة محتملة ، وذلك أنها في سائر السور فاتحة ، وهي جزء من سورة النمل ، فتأمل هذا فإنه بين ، والله أعلم .  
				
						
						
