والأشياء التي تجب فيها الدية فيما دون النفس   هي شجاج وأعضاء ، فلنبدأ بالقول في الشجاج .  
[ القول في  ديات الشجاج      ]  
والنظر في هذا الباب في محل الوجوب وشرطه وقدره الواجب ، وعلى من تجب ؟ ومتى تجب ؟ ولمن تجب ؟  
فأما محل الوجوب فهي الشجاج أو قطع الأعضاء ، والشجاج عشرة في اللغة والفقه : أولها الدامية ( وهي التي تدمي الجلد ) ، ثم الخارصة ( وهي التي تشق الجلد ) ، ثم الباضعة ( وهي التي تبضع اللحم : أي : تشقه ) ، ثم المتلاحمة ( وهي التي أخذت في اللحم ) ، ثم السمحاق ( وهي التي تبلغ السمحاق وهو الغشاء الرقيق بين اللحم والعظم ) ، ويقال لها : الملطاء بالمد والقصر ، ثم الموضحة ( وهي التي توضح العظم أي : تكشفه ) ، ثم الهاشمة ( وهي التي تهشم العظم ) ، ثم المنقلة ( وهي التي يطير العظم منها ) ، ثم المأمومة      [ ص: 736 ]    ( وهي التي تصل أم الدماغ ) ، ثم الجائفة ( وهي التي تصل إلى الجوف ) ، وأسماء هذه الشجاج مختصة بما وقع بالوجه منها والرأس دون سائر البدن ، واسم الجرح يختص بما وقع في البدن ، فهذه أسماء هذه الشجاج .  
فأما أحكامها ( أعني : الواجب فيها ) ، فاتفق العلماء على أن العقل واقع في عمد الموضحة وما دون الموضحة خطأ . واتفقوا على أنه ليس فيما دون الموضحة خطأ عقل ، وإنما فيها حكومة ، قال بعضهم : أجرة الطبيب ، إلا ما روي  عن  عمر  وعثمان  أنهما قضيا في السمحاق بنصف دية الموضحة  ، وروي  عن  علي  أنه قضى فيها بأربع من الإبل  ، وروي  عن   زيد بن ثابت  أنه قال : في الدامية بعير ، وفي الباضعة بعيران ، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة ، وفي السمحاق أربعة  ، والجمهور من فقهاء الأمصار على ما ذكرنا ، وذلك أن الأصل في الجراح الحكومة إلا ما وقتت فيه السنة حدا ،  ومالك  يعتبر في إلزام الحكومة فيما دون الموضحة أن تبرأ على شين ، والغير من فقهاء الأمصار يلزم فيها الحكومة برئت على شين أو لم تبرأ فهذه هي أحكام ما دون الموضحة .  
فأما الموضحة فجميع الفقهاء على أن فيها إذا كانت خطأ خمسا من الإبل ، وثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه  لعمرو بن حزم  ، ومن حديث   عمرو بن شعيب  ، عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "  في الموضحة خمس     " يعني من الإبل .  
واختلف العلماء في موضع الموضحة من الجسد بعد اتفاقهم على ما قلنا ( أعني : على وجوب القصاص في العمد ووجوب الدية في الخطأ منها ) ، فقال  مالك     : لا تكون الموضحة إلا في جهة الرأس والجبهة والخدين واللحي الأعلى ، ولا تكون في اللحي الأسفل ; لأنه في حكم العنق ولا في الأنف . وأما   الشافعي  وأبو حنيفة  فالموضحة عندهما في جميع الوجه والرأس .  
والجمهور على أنها لا تكون في الجسد وقال  الليث  وطائفة : تكون في الجنب ، وقال   الأوزاعي     : إذا كانت في الجسد كانت على النصف من ديتها في الوجه والرأس . وروي  عن  عمر  أنه قال : في موضحة الجسد نصف عشر دية ذلك العضو     .  
وغلظ بعض العلماء في موضحة الوجه تبرأ على شين ، فرأى فيها مثل نصف عقلها زائدا على عقلها ، وروى ذلك  مالك  عن   سليمان بن يسار  ، واضطرب قول  مالك  في ذلك ، فمرة قال بقول   سليمان بن يسار  ، ومرة قال : لا يزاد فيها على عقلها شيء ، وبه قال الجمهور ، وقد قيل عن  مالك  إنه قال : إذا شانت الوجه كان فيها حكومة من غير توقيف ، ومعنى الحكومة عند  مالك  ما نقص من قيمته أن لو كان عبدا .  
وأما الهاشمة ففيها عند الجمهور عشر الدية ، وروي ذلك عن   زيد بن ثابت  ، ولا مخالف له من الصحابة ، وقال بعض العلماء : الهاشمة هي المنقلة وشذ .  
وأما المنقلة فلا خلاف أن فيها عشر الدية ونصف العشر إذا كانت خطأ ، فأما إذا كانت عمدا ، فجمهور العلماء على أن ليس فيها قود لمكان الخوف . وحكي عن  ابن الزبير  أنه أقاد منها ومن المأمومة .  
وأما الهاشمة في العمد . فروى  ابن القاسم  عن  مالك  أنه ليس فيها قود . ومن أجاز القود من المنقلة كان أحرى أن يجيز ذلك من الهاشمة .  
 [ ص: 737 ] وأما المأمومة فلا خلاف أنه لا يقاد منها وأن فيها ثلث الدية إلا ما حكي عن  ابن الزبير     .  
وأما الجائفة فاتفقوا على أنها من جراح الجسد لا من جراح الرأس وأنها لا يقاد منها وأن فيها ثلث الدية وأنها جائفة متى وقعت في الظهر والبطن . واختلفوا إذا وقعت في غير ذلك من الأعضاء فنفذت إلى تجويفه ، فحكى  مالك  عن   سعيد بن المسيب  أن في كل جراحة نافذة إلى تجويف عضو من الأعضاء - أي عضو كان - ثلث دية ذلك العضو     . وحكى   ابن شهاب  أنه كان لا يرى ذلك وهو الذي اختاره  مالك     ; لأن القياس عنده في هذا لا يسوغ ، وإنما سنده في ذلك الاجتهاد من غير توقيف ، وأما  سعيد  فإنه قاس ذلك على الجائفة على نحو ما روي عن  عمر  في موضحة الجسد .  
وأما الجراحات التي تقع في سائر الجسد فليس في الخطأ منها إلا الحكومة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					