بسم الله الرحمن الرحيم .  
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .  
كتاب الحوالة .  
والحوالة معاملة صحيحة مستثناة من الدين بالدين   ، لقوله عليه الصلاة والسلام : "  مطل الغني ظلم ، وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل     " .  والنظر في شروطها وفي حكمها      .  
فمن الشروط : اختلافهم في اعتبار رضا المحال ، والمحال عليه ، فمن الناس من اعتبر رضا المحال ولم يعتبر رضا المحال عليه ، وهو  مالك     . ومن الناس من اعتبر رضاهما معا; من الناس من لم يعتبر رضا المحال ، واعتبر رضا المحال عليه ، وهو نقيض مذهب  مالك  ، وبه قال  داود     .  
فمن رأى أنها معاملة اعتبر رضا الصنفين ، ومن أنزل المحال عليه من المحال منزلته من المحيل لم يعتبر رضاه معه كما لا يعتبره مع المحيل إذا طلب منه حقه ولم يحل عليه أحدا . وأما داود : فحجته ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : "  إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع     " . والأمر على الوجوب ، وبقي المحال عليه من الأصل ، وهو اشتراط اعتبار رضاه .  
ومن الشروط التي اتفق عليها في الجملة : كون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا ، إلا أن منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط ، ومنعها في الطعام ، والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من باب بيع الطعام قبل أن يستوفى; لأنه باع الطعام الذي كان له على غريمه بالطعام الذي كان عليه ، وذلك قبل أن يستوفيه من غريمه; وأجاز ذلك  مالك  إذا كان الطعامان كلاهما من قرض إذا كان دين المحال حالا . وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه لا يجوز ، إلا أن يكون الدينان حالين; وعند  ابن القاسم  وغيره      [ ص: 639 ] من أصحاب  مالك  يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حالا; ولم يفرق بين ذلك   الشافعي     ; لأنه كالبيع في ضمان المستقرض .  
وإنما رخص  مالك  في القرض; لأنه يجوز عنده بيع القرض قبل أن يستوفى . وأما  أبو حنيفة     : فأجاز الحوالة بالطعام ، وشبهها بالدراهم ، وجعلها خارجة عن الأصول كخروج الحوالة بالدراهم . والمسألة مبنية على أن ما شذ عن الأصول هل يقاس عليه أم لا ؟ والمسألة مشهورة في أصول الفقه .  
وللحوالة عند  مالك  ثلاثة شروط :  
أحدها : أن يكون دين المحال حالا; لأنه إن لم يكن حالا كان دينا بدين .  
والثاني : أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة; لأنه إذا اختلفا في أحدهما كان بيعا ولم يكن حوالة ، فخرج من باب الرخصة إلى باب البيع ، وإذا خرج من باب البيع دخله الدين بالدين .  
والشرط الثالث : أن لا يكون الدين طعاما من سلم أو أحدهما ، ولم يحل الدين المستحال به على مذهب  ابن القاسم  ، وإذا كان الطعامان جميعا من سلم فلا تجوز الحوالة بأحدهما على الآخر ، حلت الآجال أو لم تحل ، أو حل أحدهما ولم يحل الآخر; لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى كما قلنا .  
لكن أشهب يقول : إن استوت رءوس أموالهما جازت الحوالة وكانت تولية .  وابن القاسم  لا يقول ذلك كالحال إذا اختلفت ، ويتنزل المحال في الدين الذي أحيل عليه منزلة من أحاله ، ومنزلته في الدين الذي أحاله به ، وذلك فيما يريد أن يأخذ بدله منه أو يبيعه له من غيره ( أعني : أنه لا يجوز له من ذلك إلا ما يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله عليه ) .  
ومثال ذلك : إن احتال بطعام كان له من قرض في طعام من سلم ، أو بطعام من سلم في طعام من قرض ، لم يجز له أن يبيعه من غيره قبل قبضه منه; لأنه إن كان احتال بطعام كان من قرض في طعام من سلم : نزل منزلة المحيل في أنه لا يجوز له بيع ما على غريمه قبل أن يستوفيه لكونه طعاما من بيع ، وإن كان احتال بطعام من سلم في طعام من قرض : نزل من المحتال عليه منزلته مع من أحاله ( أعني : أنه ما كان يجوز له أن يبيع الطعام الذي كان على غريمه المحيل له قبل أن يستوفيه ، كذلك لا يجوز أن يبيع الطعام الذي أحيل عليه ، وإن كان من قرض ) ، وهذا كله مذهب  مالك  ، وأدلة هذه الفروق ضعيفة .  
وأما أحكامها : فإن جمهور العلماء على أن  الحوالة ضد الحمالة   في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع صاحب الدين على المحيل بشيء . قال  مالك  ، وأصحابه : إلا أن يكون المحيل غره فأحاله على عديم . وقال  أبو حنيفة     : يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا ، أو جحد الحوالة وإن لم تكن له بينة ، وبه قالشريح  ،   وعثمان البتي  ، وجماعة .  
وسبب اختلافهم : مشابهة الحوالة للحمالة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					