الباب الرابع
في صلاة السفر .
- وهذا الباب فيه فصلان :
الفصل الأول : في القصر . الفصل الثاني : في الجمع . الفصل الأول
في القصر .
والسفر له تأثير في القصر باتفاق ، وفي الجمع باختلاف .
أما القصر فإنه اتفق العلماء على جواز إلا قولا شاذا ، وهو قول قصر الصلاة للمسافر عائشة : وهو أن القصر لا يجوز إلا للخائف لقوله تعالى : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) وقالوا : إن النبي - عليه الصلاة والسلام - إنما قصر ; لأنه كان خائفا ، واختلفوا من ذلك في خمسة مواضع :
[ ص: 141 ] أحدها : في حكم القصر . والثاني : في المسافة التي يجب فيها القصر . والثالث : في السفر الذي يجب فيه القصر . والرابع : في الموضع الذي يبدأ منه المسافر بالتقصير . والخامس : في مقدار الزمان الذي يجوز للمسافر فيه إذا أقام في موضع أن يقصر الصلاة .
[ الموضع الأول ]
[ حكم القصر ]
فأما ، فإنهم اختلفوا فيه على أربعة أقوال : فمنهم من رأى أن القصر هو فرض المسافر المتعين عليه . ومنهم من رأى أن القصر والإتمام كلاهما فرض مخير له كالخيار في واجب الكفارة . ومنهم من رأى أن القصر سنة . ومنهم من رأى أنه رخصة وأن الإتمام أفضل ، وبالقول الأول قال حكم القصر أبو حنيفة ، وأصحابه ، والكوفيون بأسرهم ( أعني أنه فرض متعين ) وبالثاني قال بعض أصحاب وبالثالث ( أعني أنه سنة ) قال الشافعي مالك في أشهر الروايات عنه .
وبالرابع ( أعني أنه رخصة ) قال في أشهر الروايات عنه ، وهو المنصور عند أصحابه . الشافعي
والسبب في اختلافهم : معارضة المعنى المعقول لصيغة اللفظ المنقول ، ومعارضة دليل الفعل أيضا للمعنى المعقول ولصيغة اللفظ المنقول ، وذلك أن المفهوم من قصر الصلاة للمسافر إنما هو الرخصة لموضع المشقة كما رخص له في الفطر ، وفي أشياء كثيرة ، ويؤيد هذا حديث قال : " يعلى بن أمية لعمر : إنما قال الله : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) يريد في قصره الصلاة في السفر ، فقال عمر : " عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما سألتني عنه فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته " فمفهوم هذا الرخصة . قلت
وحديث أبي قلابة عن رجل من بني عامر " وهما في الصحيح ، وهذا كله يدل على التخفيف والرخصة ورفع الحرج ، لا أن القصر هو الواجب ، ولا أنه سنة . أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله وضع عن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة
وأما الأثر الذي يعارض بصيغته المعنى المعقول ، ومفهوم هذه الآثار فحديث عائشة الثابت باتفاق قالت " " وأما دليل الفعل الذي يعارض المعنى المعقول ومفهوم الأثر المنقول فإنه ما نقل عنه - عليه الصلاة والسلام - من قصر الصلاة في كل أسفاره ، وأنه لم يصح عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه أتم الصلاة قط فمن ذهب إلى أنه سنة أو واجب مخير فإنما حمله على ذلك أنه لم يصح عنده " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أتم الصلاة وما هذا شأنه " فقد يجب أن يكون أحد الوجهين : ( أعني : إما واجبا مخيرا ، وإما أن [ ص: 142 ] يكون سنة ) وإما أن يكون فرضا معينا ، لكن كونه فرضا معينا يعارضه المعنى المعقول ، وكونه رخصة يعارضه اللفظ المنقول ، فوجب أن يكون واجبا مخيرا أو سنة ، وكان هذا نوعا من طريق الجمع ، وقد اعتلوا لحديث فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر عائشة بالمشهور عنها من أنها كانت تتم ، وروى عطاء " " ومما يعارضه أيضا حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتم الصلاة في السفر ويقصر ويصوم ويفطر ويؤخر الظهر ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء أنس ، وأبي نجيح المكي قال : اصطحبت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان بعضهم يتم وبعضهم يقصر وبعضهم يصوم ، وبعضهم يفطر ، فلا يعيب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء على هؤلاء ، ولم يختلف في إتمام الصلاة عن عثمان وعائشة ، فهذا هو اختلافهم في الموضع الأول .