[ صفة القضاء ]
وأما : فإن القضاء نوعان : قضاء لجملة الصلاة ، وقضاء لبعضها . صفة القضاء
[ 1 - قضاء جملة الصلاة ] أما قضاء الجملة فالنظر فيه في صفة القضاء وشروطه ووقته .
فأما صفة القضاء : فهي بعينها صفة الأداء إذا كانت الصلاتان في صفة واحدة من الفرضية ، وأما إذا كانت في أحوال مختلفة مثل أن يذكر صلاة حضرية في سفر أو صلاة سفرية في حضر ، فاختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال : [ ص: 155 ] فقوم قالوا : إنما يقضي مثل الذي عليه ، ولم يراعوا الوقت الحاضر ، وهو مذهب مالك وأصحابه ، وقوم قالوا : إنما يقضي أبدا أربعا سفرية كانت المنسية أو حضرية ، فعلى رأي هؤلاء إن ذكر في السفر حضرية صلاها حضرية ، وإن ذكر في الحضر سفرية صلاها حضرية وهو مذهب . وقال قوم : إنما يقضي أبدا فرض الحال التي هو فيها فيقضي الحضرية في السفر سفرية ، والسفرية في الحضر حضرية ، فمن شبه القضاء بالأداء راعى الحال الحاضرة وجعل الحكم لها قياسا على المريض يتذكر صلاة نسيها في الصحة أو الصحيح يتذكر صلاة نسيها في المرض : ( أعني أن فرضه هو فرض الصلاة في الحال الحاضرة ) . الشافعي
ومن شبه القضاء بالديون أوجب للمقضية صفة المنسية .
وأما من أوجب أن يقضي أبدا حضرية ، فراعى الصفة في إحداهما والحال في الأخرى ( أعني أنه إذا ذكر الحضرية في السفر راعى صفة المقضية ) وإذا ذكر السفرية في الحضر راعى الحال ; وذلك اضطراب جار على غير قياس إلا أن يذهب مذهب الاحتياط ، وذلك يتصور فيمن يرى القصر رخصة .
وأما : فإن من شروطه الذي اختلفوا فيه الترتيب ، وذلك أنهم اختلفوا في وجوب شروط القضاء ووقته : ( أعني بوجوب ترتيب المنسيات مع الصلاة الحاضرة الوقت ، وترتيب المنسيات بعضها مع بعض إذا كانت أكثر من صلاة واحدة ) ، فذهب الترتيب في قضاء المنسيات مالك إلى أن الترتيب واجب فيها في الخمس صلوات فما دونها ، وأنه يبدأ بالمنسية وإن فات وقت الحاضرة حتى أنه قال : إن ذكر المنسية وهو في الحاضرة فسدت الحاضرة عليه ، وبمثل ذلك قال أبو حنيفة إلا أنهم رأوا الترتيب واجبا مع اتساع وقت الحاضرة ، واتفق هؤلاء على سقوط وجوب الترتيب مع النسيان ، وقال والثوري لا يجب الترتيب ، وإن فعل ذلك إذا كان في الوقت متسع فحسن ( يعني : في وقت الحاضرة ) . الشافعي
والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في هذا الباب واختلافهم في تشبيه القضاء بالأداء ، فأما الآثار فإنه ورد في ذلك حديثان متعارضان : أحدهما : ما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " ، وأصحاب " من نسي صلاة ، وهو مع الإمام في أخرى فليصل مع الإمام ، فإذا فرغ من صلاته ، فليعد الصلاة التي نسي ، ثم ليعد الصلاة التي صلى مع الإمام يضعفون هذا الحديث ويصححون حديث الشافعي أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : " ابن عباس ، والحديث الصحيح في هذا الباب هو ما تقدم من قوله - عليه الصلاة والسلام : - إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها ، وهو في صلاة مكتوبة فليتم التي هو فيها ، فإذا فرغ منها قضى التي نسي " " الحديث . وأما اختلافهم في جهة تشبيه القضاء بالأداء فإن من رأى أن الترتيب في الأداء إنما لزم من أجل أن أوقاتها المختصة بصلاة منها هي مرتبة في نفسها إذ كان الزمان لا يعقل إلا مرتبا لم يلحق بها القضاء ; لأنه ليس للقضاء وقت مخصوص ومن رأى أن الترتيب في الصلوات المؤداة هو في الفعل ، وإن كان الزمان واحدا مثل الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما ، شبه القضاء بالأداء . إذا نام أحدكم عن الصلاة أو نسيها
[ ص: 156 ] وقد رأت المالكية أن توجب الترتيب للمقضية من جهة الوقت لا من جهة الفعل لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " " قالوا : فوقت المنسية ، هو وقت الذكر ، ولذلك وجب أن تفسد عليه الصلاة التي هو فيها في ذلك الوقت ، وهذا لا معنى له ; لأنه إن كان وقت الذكر وقتا للمنسية ، فهو بعينه أيضا وقت للحاضرة أو وقت للمنسيات إذا كانت أكثر من صلاة واحدة ، وإذا كان الوقت واحدا فلم يبق إلا أن يكون الفساد الواقع فيها من قبل الترتيب بينها كالترتيب الذي يوجد في أجزاء الصلاة الواحدة ، فإنه ليس إحدى الصلاتين أحق بالوقت من صاحبتها إذ كان وقتا لكليهما إلا أن يقوم دليل الترتيب ، وليس ههنا عندي شيء يمكن أن يجعل أصلا في هذا الباب لترتيب المنسيات إلا الجمع عند من سلمه ، فإن الصلوات المؤداة أوقاتها مختلفة ، والترتيب في القضاء إنما يتصور في الوقت الواحد بعينه للصلاتين معا ، فافهم هذا فإن فيه غموضا ، وأظن فليصلها إذا ذكرها مالكا - رحمه الله - إنما قاس ذلك على الجمع وإنما صار الجميع إلى استحسان الترتيب في المنسيات إذا لم يخف فوات الحاضرة لصلاته - عليه الصلاة والسلام - الصلوات الخمس يوم الخندق مرتبة ، وقد احتج بهذا من أوجب القضاء على العامد ، ولا معنى لهذا ، فإن هذا منسوخ ، وأيضا ، فإنه كان تركا لعذر ، وأما التحديد في الخمس فما دونها فليس له وجه إلا أن يقال : إنه إجماع ، فهذا حكم القضاء الذي يكون في فوات جملة الصلاة .