الباب الرابع  
في  صفة المشي مع الجنازة   
واختلفوا في سنة المشي مع الجنازة . فذهب  أهل  المدينة    إلى أن من سنتها المشي أمامها . وقال الكوفيون  وأبو حنيفة  وسائرهم : إن المشي خلفها أفضل .  
وسبب اختلافهم : اختلاف الآثار التي روى كل واحد من الفريقين عن سلفه وعمل به .  
فروى  مالك  عن النبي - عليه الصلاة والسلام - مرسلا المشي أمام الجنازة ، وعن  أبي بكر  وعمر  ، وبه قال   الشافعي     .  
وأخذ أهل الكوفة بما رووا عن   علي بن أبي طالب  من طريق   عبد الرحمن بن أبزى  قال :  كنت أمشي مع  علي  في جنازة وهو آخذ بيدي ، وهو يمشي خلفها ،  وأبو بكر  وعمر  يمشيان أمامها ، فقلت له في ذلك فقال : إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على صلاة النافلة ، وإنهما ليعلمان ذلك ، ولكنهما سهلان يسهلان على الناس     . وروي عنه - رضي الله عنه - أنه قال :  قدمها بين يديك ، واجعلها نصب عينيك ، فإنما هي موعظة وتذكرة وعبرة  ، وبما روي أيضا عن   ابن مسعود  أنه كان يقول : سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السير مع الجنازة فقال : "  الجنازة متبوعة وليست بتابعة ، وليس معها من يقدمها     " . وحديث   المغيرة بن شعبة  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "  الراكب يمشي أمام الجنازة والماشي خلفها وأمامها وعن يمينها ، ويسارها قريبا منها     " . وحديث   أبي هريرة  أيضا في هذا المعنى قال : "  امشوا خلف الجنازة     " ، وهذه الأحاديث صار إليها الكوفيون وهي أحاديث يصححونها ويضعفها غيرهم .  
وأكثر العلماء على أن  القيام إلى الجنازة   منسوخ بما روى  مالك  من حديث   علي بن أبي طالب     : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الجنائز ثم جلس     " . وذهب قوم إلى وجوب القيام ، وتمسكوا في ذلك بما روي من أمره - صلى الله عليه وسلم - بالقيام لها كحديث  عامر بن ربيعة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "  إذا رأيتم الجنائز فقوموا إليها حتى تخلفكم أو توضع     " .  
واختلف الذين رأوا أن القيام منسوخ في القيام على القبر في وقت الدفن ، فبعضهم رأى أنه لم يدخل تحت النهي ، وبعضهم رأى أنه داخل تحت النهي على ظاهر اللفظ ، ومن أخرجه من ذلك احتج بفعل  علي  في ذلك ، وذلك أنه روى النسخ ، وقام على قبر  ابن المكفف  فقيل : له ألا تجلس يا أمير المؤمنين ؟ فقال : قليل لأخينا قيامنا على قبره .  
				
						
						
