[ المسألة الثانية ]  
[ تقدير النصاب بالخرص ]  
وأما المسألة الثانية - وهي  تقدير النصاب بالخرص   واعتباره به دون الكيل - : فإن جمهور العلماء على إجازة الخرص في النخيل والأعناب حين يبدو صلاحها لضرورة أن يخلى بينها وبين أهلها يأكلونها رطبا .  
وقال  داود     : لا خرص إلا في النخيل فقط .  
وقال  أبو حنيفة  وصاحباه : الخرص باطل ، وعلى رب المال أن يؤدي عشر ما تحصل بيده زاد على الخرص أو نقص منه .  
والسبب في اختلافهم في جواز الخرص : معارضة الأصول للأثر الوارد في ذلك .  
أما الأثر الوارد في ذلك - وهو الذي تمسك به الجمهور - فهو ما روي : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص عليهم النخل     " .  
وأما الأصول التي تعارضه : فلأنه من باب المزابنة المنهي عنها - وهو بيع الثمر في رءوس النخل بالثمر كيلا - ، ولأنه أيضا من باب بيع الرطب بالتمر نسيئة ، فيدخله المنع من التفاضل ومن النسيئة ، وكلاهما من أصول الربا ، فلما رأى الكوفيون هذا مع أن الخرص الذي كان يخرص على أهل خيبر لم يكن للزكاة ، إذ كانوا ليسوا بأهل زكاة، قالوا : يحتمل أن يكون تخمينا ليعلم ما بأيدي كل قوم من الثمار .  
قال القاضي :  
أما بحسب خبر  مالك     : فالظاهر أنه كان في القسمة ، لما روي أن   عبد الله بن رواحة  كان إذا فرغ من الخرص قال : إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي - أعني : في قسمة الثمار لا في قسمة الحب .  
وأما بحسب حديث  عائشة  الذي رواه  أبو داود     : فإنما الخرص لموضع النصيب الواجب عليهم في ذلك ، والحديث هو : أنها قالت - وهي تذكر شأن خيبر - : "  كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث   عبد الله بن رواحة  إلى يهود خيبر فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه     " . وخرص الثمار لم يخرجه الشيخان ، وكيفما كان      [ ص: 224 ] فالخرص مستثنى من تلك الأصول ، هذا إن ثبت أنه كان منه - عليه الصلاة والسلام - حكما منه على المسلمين ، فإن الحكم لو ثبت على أهل الذمة ليس يجب أن يكون حكما على المسلمين إلا بدليل - والله أعلم .  
ولو صح حديث  عتاب بن أسيد  لكان جواز الخرص بينا - والله أعلم ، وحديث  عتاب بن أسيد  هو أنه قال : "  أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أخرص العنب وآخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا     " . وحديث عتاب بن أسيد طعن فيه ، لأن راويه عنه هو   سعيد بن المسيب  ، وهو لم يسمع منه ، ولذلك لم يجز  داود  خرص العنب .  
واختلف من أوجب الزكاة في الزيتون في جواز خرصه .  
والسبب في اختلافهم : اختلافهم في قياسه في ذلك على النخل والعنب ; والمخرج عند الجميع من النخل في الزكاة هو التمر لا الرطب ، وكذلك الزبيب من العنب لا العنب نفسه ، وكذلك عند القائلين بوجوب الزكاة في الزيتون هو الزيت لا الحب قياسا على التمر والزبيب . وقال  مالك  في العنب الذي لا يتزبب والزيتون الذي لا ينعصر : أرى أن يؤخذ منه حبا .  
				
						
						
