الفصل الثاني  
في الصفة التي تقتضي صرفها إليهم  
وأما  صفاتهم التي يستوجبون بها الصدقة   ويمنعون منها بأضدادها :  
فأحدها : الفقر الذي هو ضد الغنى لقوله تعالى : (  إنما الصدقات للفقراء والمساكين      ) .  
واختلفوا في الغني الذي تجوز له الصدقة من الذي لا تجوز ، وما مقدار الغنى المحرم للصدقة :  
فأما الغني الذي لا تجوز له الصدقة فإن الجمهور على أنه لا تجوز الصدقة للأغنياء بأجمعهم إلا للخمس الذين نص عليهم النبي - عليه الصلاة والسلام - في قوله : "  لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني     " . وروي عن  ابن القاسم  أنه لا يجوز أخذ الصدقة لغني أصلا مجاهدا كان أو عاملا ، والذين أجازوها للعامل وإن كان غنيا أجازوها للقضاة ومن في معناهم ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين ، ومن لم يجز ذلك فقياس ذلك عنده هو أن لا تجوز لغني أصلا .  
وسبب اختلافهم هو : هل العلة في إيجاب الصدقة للأصناف المذكورين هو الحاجة فقط ، أو الحاجة والمنفعة العامة ؟ فمن اعتبر ذلك بأهل الحاجة المنصوص عليهم في الآية قال : الحاجة فقط . ومن قال : الحاجة والمنفعة العامة توجب أخذ الصدقة اعتبر المنفعة للعامل والحاجة بسائر الأصناف المنصوص عليهم .  
وأما حد الغنى الذي يمنع من الصدقة : فذهب   الشافعي  إلى أن المانع من الصدقة هو أقل ما ينطلق عليه الاسم . وذهب  أبو حنيفة  إلى أن الغني هو  مالك  النصاب لأنهم الذين سماهم النبي - عليه الصلاة والسلام - أغنياء لقوله في حديث  معاذ  له : "  فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم     " وإذا كان الأغنياء هم الذين هم أهل النصاب وجب أن يكون الفقراء ضدهم . وقال  مالك     : ليس في ذلك حد إنما هو راجع إلى الاجتهاد .  
وسبب اختلافهم : هل الغنى المانع هو معنى شرعي أم معنى لغوي ؟ فمن قال : معنى شرعي قال : وجود النصاب هو الغنى ، ومن قال : معنى لغوي اعتبر في ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم ، فمن رأى أن أقل ما ينطلق عليه الاسم هو محدود في كل وقت وفي كل شخص جعل حده هذا ، ومن رأى أنه غير محدود وأن ذلك يختلف باختلاف الحالات والحاجات والأشخاص والأمكنة والأزمنة وغير ذلك قال : هو غير محدود ، وأن ذلك راجع إلى الاجتهاد . وقد روى  أبو داود  في هذا حديث الغني الذي يمنع الصدقة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ملك خمسين درهما ، وفي أثر آخر أنه ملك أوقية وهي أربعون درهما ، وأحسب أن قوما قالوا بهذه الآثار في حد الغنى .  
 [ ص: 232 ] واختلفوا من هذا الباب في  صفة الفقير والمسكين والفصل الذي بينهما   ، فقال قوم : الفقير أحسن حالا من المسكين ، وبه قال البغداديون من أصحاب  مالك     . وقال آخرون : المسكين أحسن حالا من الفقير ، وبه قال  أبو حنيفة  وأصحابه   والشافعي  في أحد قوليه ، وفي قوله الثاني : أنهما اسمان دالان على معنى واحد ، وإلى هذا ذهب  ابن القاسم  ، وهذا النظر هو لغوي إن لم تكن له دلالة شرعية ، والأشبه عند استقراء اللغة أن يكونا اسمين دالين على معنى واحد يختلف بالأقل والأكثر في كل واحد منهما ، لا أن هذا راتب من أحدهما على قدر غير القدر الذي الآخر راتب عليه .  
واختلفوا في قوله تعالى :  وفي الرقاب      ) فقال  مالك     : هم العبيد يعتقهم الإمام ويكون ولاؤهم للمسلمين، وقال   الشافعي  وأبو حنيفة     : هم المكاتبون .  
وابن السبيل هو عندهم : المسافر في طاعة ينفد زاده فلا يجد ما ينفقه . وبعضهم يشترط فيه أن يكون ابن السبيل جار الصدقة .  
وأما في سبيل الله : فقال  مالك     : سبيل الله مواضع الجهاد والرباط وبه قال  أبو حنيفة     . وقال غيره : الحجاج والعمار . وقال   الشافعي     : هو الغازي جار الصدقة ، وإنما اشترط جار الصدقة لأن ؛ عند أكثرهم أنه لا يجوز تنقيل الصدقة من بلد إلى بلد إلا من ضرورة .  
				
						
						
