القول في الجنس الثاني
[ ] أركان الحج والعمرة
وهو تعريف أفعال هذه العبادة في نوع نوع منها ، والتروك المشترطة فيها ، وهذه العبادة كما قلنا صنفان : حج وعمرة . والحج على ثلاثة أصناف : إفراد وتمتع وقران . وهي كلها تشتمل على أفعال محدودة في أمكنة محدودة وأوقات محدودة . ومنها فرض ، ومنها غير فرض ، وعلى تروك تشترط في تلك الأفعال ، وكل من هذه أحكام محدودة إما عند الإخلال بها ، وإما عند الطوارئ المانعة منها ، فهذا الجنس ينقسم أولا إلى القول في الأفعال ، وإلى القول في التروك . وأما الجنس الثالث فهو الذي يتضمن القول في الأحكام فلنبدأ بالأفعال ، وهذه منها ما تشترك فيه هذه الأربعة الأنواع من النسك - أعني : أصناف الحج الثلاث ، والعمرة - ، ومنها ما يختص بواحد واحد منها ، فلنبدأ من القول فيها بالمشترك ، ثم نصير إلى ما يخص واحدا واحدا منها ، فنقول :
إن الحج والعمرة أول أفعالهما الفعل الذي يسمى الإحرام . أ - القول في شروط الإحرام .
والإحرام شروطه الأول : المكان ، والزمان . أما المكان : فهو الذي يسمى مواقيت الحج ، فلنبدأ بهذا فنقول :
[ 1 - القول في ميقات المكان ]
إن العلماء بالجملة مجمعون على أن المواقيت التي منها يكون الإحرام : أما ، لأهل المدينة : فذو [ ص: 270 ] الحليفة ، وأما لأهل الشام : فالجحفة ، ولأهل نجد : قرن ، لثبوت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث ولأهل اليمن : يلملم وغيره . ابن عمر
واختلفوا في ميقات أهل العراق : فقال جمهور فقهاء الأمصار ميقاتهم من . وقال ذات عرق الشافعي : إن أهلوا من العقيق كان أحب . والثوري
واختلفوا فيمن أقته لهم : فقالت طائفة : . وقالت طائفة : بل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أقت لأهل العراق ذات عرق والعقيق ، وروي ذلك من حديث عمر بن الخطاب جابر وابن عباس وعائشة .
وجمهور العلماء على أن ، وهؤلاء منهم من قال : إن رجع إلى الميقات فأحرم منه سقط عنه الدم ومنهم من يخطئ هذه وقصده الإحرام فلم يحرم إلا بعدها أن عليه دما . ومنهم من قال : لا يسقط عنه الدم وإن رجع ، وبه قال الشافعي مالك . وقال قوم : ليس عليه دم . وقال آخرون : إن لم يرجع إلى الميقات فسد حجه ، وأنه يرجع إلى الميقات فيهل منه بعمرة ، وهذا يذكر في الأحكام .
وجمهور العلماء على أن من كان منزله دونهن فميقات إحرامه من منزله .
واختلفوا هل الأفضل إحرام الحاج منهن أو من منزله إذا كان منزله خارجا منهن ؟ فقال قوم : الأفضل له من منزله ، والإحرام منها رخصة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وجماعة . وقال والثوري مالك وإسحاق وأحمد : إحرامه من المواقيت أفضل ، وعمدة هؤلاء الأحاديث المتقدمة ، وأنها السنة التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي أفضل .
وعمدة الطائفة الأخرى : أن الصحابة قد أحرمت من قبل الميقات ابن عباس وابن عمر وغيرهم قالوا : وهم أعرف بالسنة . وابن مسعود
وأصول أهل الظاهر تقتضي أن لا يجوز الإحرام إلا من الميقات إلا أن يصح إجماع على خلافه .
واختلفوا فيمن ، مثل أن يترك أهل المدينة الإحرام من ذي الحليفة ويحرموا من الجحفة ، فقال قوم : عليه دم ، وممن قال به ترك الإحرام من ميقاته وأحرم من ميقات آخر غير ميقاته مالك وبعض أصحابه . وقال أبو حنيفة : ليس عليه شيء .
وسبب الخلاف : هل هو من النسك الذي يجب في تركه الدم أم لا ؟
ولا خلاف أنه لا يلزم الإحرام من مر بهذه المواقيت ممن أراد الحج أوالعمرة . وأما من لم يردهما ومر بهما فقال قوم : كل من مر بهما يلزمه الإحرام إلا من يكثر ترداده مثل الحطابين وشبههم ، وبه قال مالك . وقال قوم : لا يلزم الإحرام بها إلا لمريد الحج أو العمرة ، وهذا كله لمن ليس من أهل مكة . وأما أهل مكة فإنهم يحرمون بالحج منها ، أو بالعمرة يخرجون إلى الحل ولا بد .
وأما متى يحرم بالحج أهل مكة فقيل : إذا رأوا الهلال ، وقيل : إذا خرج الناس إلى منى .
فهذا هو ميقات المكان المشترط لأنواع هذه العبادة .