القول في أحكام جزاء الصيد
فنقول : إن المسلمين أجمعوا على أن قوله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) هي آية محكمة ، واختلفوا في تفاصيل أحكامها ، وفيما يقاس على مفهومها مما لا يقاس عليه .
فمنها : أنهم اختلفوا هل ؟ فذهب الجمهور إلى أن الواجب المثل ، وذهب الواجب في قتل الصيد قيمته أو مثله أبو حنيفة إلى أنه مخير بين القيمة - أعني : قيمة الصيد ، وبين أن يشتري بها المثل .
ومنها : أنهم اختلفوا في فيما حكم فيه السلف من الصحابة ، مثل حكمهم أن من قتل نعامة فعليه بدنة تشبيها بها ، ومن قتل غزالا فعليه شاة ، ومن قتل بقرة وحشية فعليه إنسية ، فقال استئناف الحكم على قاتل الصيد مالك : يستأنف في كل ما وقع من ذلك الحكم به ، وبه قال أبو حنيفة . وقال : إن اجتزأ بحكم الصحابة مما حكموا فيه جاز . الشافعي
ومنها : هل الآية على التخيير أو على الترتيب ؟ فقال مالك : هي على التخيير ، وبه قال أبو حنيفة ، يريد أن الحكمين يخيران الذي عليه الجزاء . وقال زفر : هي على الترتيب .
واختلفوا إن وجب على القول بالوجوب فيشتري بقيمته طعاما ؟ فقال هل يقوم الصيد أو المثل إذا اختار الإطعام مالك : يقوم الصيد . وقال : يقوم المثل . الشافعي
ولم يختلفوا في تقدير الصيام بالطعام بالجملة ، وإن كانوا اختلفوا في التفصيل ، فقال مالك : يصوم لكل مد يوما وهو الذي يطعم عندهم كل مسكين ، وبه قال الشافعي وأهل الحجاز . وقال أهل الكوفة : يصوم لكل مدين يوما ، وهو القدر الذي يطعم كل مسكين عندهم .
واختلفوا في فالجمهور على أن فيه الجزاء . وقال أهل الظاهر : لا جزاء عليه . قتل الصيد خطأ هل فيه جزاء أم لا ؟
واختلفوا في ، فقال الجماعة يشتركون في قتل الصيد مالك : إذا قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل ، وبه قال وجماعة . وقال الثوري : عليهم جزاء واحد . وفرق الشافعي أبو حنيفة بين المحرمين يقتلون الصيد وبين المحلين يقتلونه في الحرم فقال : على كل واحد من المحرمين جزاء ، وعلى المحلين جزاء واحد .
واختلفوا فذهب هل يكون أحد الحكمين قاتل الصيد ؟ مالك إلى أنه لا يجوز . وقال : يجوز . واختلف أصحاب الشافعي أبي حنيفة على القولين جميعا .
واختلفوا في موضع الإطعام : فقال مالك : في الموضع الذي أصاب فيه الصيد إن كان ثم طعام ، وإلا [ ص: 296 ] ففي أقرب المواضع إلى ذلك الموضع . وقال أبو حنيفة : حيثما أطعم . وقال : لا يطعم إلا مساكين الشافعي مكة .
وأجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه الجزاء ; للنص في ذلك .
واختلفوا في الحلال يقتل الصيد في الحرم : فقال جمهور فقهاء الأمصار : عليه الجزاء . وقال داود وأصحابه : لا جزاء عليه .
ولم يختلف المسلمون في تحريم قتل الصيد في الحرم ، وإنما اختلفوا في وذلك لقوله - سبحانه - : ( الكفارة أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف ) . وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مكة يوم خلق السماوات والأرض " . وجمهور فقهاء الأمصار على أن إن الله حرم أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة . وروى عن المحرم إذا قتل الصيد وأكله عطاء وطائفة أن فيه كفارتين .
فهذه هي مشهورات المسائل المتعلقة بهذه الآية .
وأما الأسباب التي دعتهم إلى هذا الاختلاف : فنحن نشير إلى طرف منها فنقول :
أما من اشترط في وجوب الجزاء أن يكون القتل عمدا فحجته : أن اشتراط ذلك نص في الآية ، وأيضا فإن العمد هو الموجب للعقاب ، والكفارات عقاب ما .
وأما من أوجب الجزاء مع النسيان فلا حجة له ، إلا أن يشبه الجزاء عند إتلاف الصيد بإتلاف الأموال ، فإن الأموال عند الجمهور تضمن خطأ ونسيانا ، لكن يعارض هذا القياس اشتراط العمد في وجوب الجزاء ، فقد أجاب بعضهم عن هذا - أي العمد - إنما اشترط لمكان تعلق العقاب المنصوص عليه في قوله : ( ليذوق وبال أمره ) وذلك لا معنى له; لأن الوبال المذوق هو في الغرامة ، فسواء قتله مخطئا أو متعمدا قد ذاق الوبال ، ولا خلاف أن الناسي غير معاقب ، وأكثر ما تلزم هذه الحجة لمن كان من أصله أن الكفارات لا تثبت بالقياس ، فإنه لا دليل لمن أثبتها على الناسي إلا القياس .
وأما اختلافهم في المثل : هل هو الشبيه أو المثل في القيمة ؟ فإن سبب الاختلاف : أن المثل يقال على الذي هو مثل ، وعلى الذي هو مثل في القيمة ، لكن حجة من رأى أن الشبيه أقوى من جهة دلالة اللفظ : أن انطلاق لفظ المثل على الشبيه في لسان العرب أظهر ، وأظهر منه على المثل في القيمة ، لكن لمن حمل هاهنا المثل على القيمة دلائل حركته إلى اعتقاد ذلك :
أحدها : أن المثل الذي هو العدل هو منصوص عليه في الإطعام والصيام .
وأيضا : فإن المثل إذا حمل هاهنا على التعديل كان عاما في جميع الصيد ، فإن من الصيد ما لا يلقى له شبيه .
وأيضا : فإن المثل فيما لا يوجد له شبيه هو التعديل ، وليس يوجد للحيوان المصيد في الحقيقة شبيه إلا من جنسه ، وقد نص أن المثل الواجب فيه هو من غير جنسه ، فوجب أن يكون مثلا في التعديل والقيمة .
وأيضا : فإن الحكم في الشبيه قد فرغ منه .
فأما الحكم بالتعديل فهو شيء يختلف باختلاف الأوقات ، ولذلك هو كل وقت يحتاج إلى الحكمين المنصوص عليهما ، وعلى هذا يأتي التقدير في الآية بمشابه ، فكأنه قال : ومن قتله منكم متعمدا فعليه قيمة [ ص: 297 ] ما قتل من النعم ، أو عدل القيمة طعاما ، أو عدل ذلك صياما .
وأما اختلافهم هل المقدر هو الصيد ، أو مثله من النعم إذا قدر بالطعام ؟ فمن قال : المقدر هو الصيد قال : لأنه الذي لما لم يوجد مثله رجع إلى تقديره بالطعام . ومن قال إن المقدر هو الواجب من النعم قال : لأن الشيء إنما تقدر قيمته إذا عدم بتقدير مثله - أعني : شبيهه - .
وأما من قال : إن الآية على التخيير ، فإنه التفت إلى حرف ( أو ) إذ كان مقتضاها في لسان العرب التخيير .
وأما من نظر إلى ترتيب الكفارات في ذلك فشبهها في الكفارات التي فيها الترتيب باتفاق ، وهي كفارة الظهار والقتل .
وأما اختلافهم في : هل يستأنف الحكم في الصيد الواحد الذي وقع الحكم فيه من الصحابة ؟ فالسبب في اختلافهم هو : هل الحكم شرعي غير معقول المعنى ، أم هذا معقول المعنى ؟ فمن قال : هو معقول المعنى قال : ما قد حكم فيه فليس يوجد شيء أشبه به منه ، مثل النعامة فإنه لا يوجد أشبه بها من البدنة ، فلا معنى لإعادة الحكم . ومن قال : هو عبادة قال : يعاد ولا بد منه ، وبه قال مالك .
وأما اختلافهم في الجماعة يشتركون في قتل الصيد الواحد : فسببه ; هل الجزاء موجبه هو التعدي فقط ، أو التعدي على جملة الصيد ؟ فمن قال : التعدي فقط أوجب على كل واحد من الجماعة القاتلة للصيد جزاء . ومن قال : التعدي على جملة الصيد قال : عليهم جزاء واحد . وهذه المسألة شبيهة بالقصاص في النصاب في السرقة ، وفي القصاص في الأعضاء ، وفي الأنفس - وستأتي في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله .
وتفريق أبي حنيفة بين المحرمين وبين غير المحرمين القاتلين في الحرم على جهة التغليظ على المحرمين ، ومن أوجب على كل واحد من الجماعة جزاء فإنما نظر إلى سد الذرائع ، فإنه لو سقط عنهم الجزاء جملة لكان من أراد أن يصيد في الحرم صاد في جماعة ، وإذا قلنا : إن الجزاء هو كفارة للإثم فيشبه أنه لا يتبعض إثم قتل الصيد بالاشتراك فيه ، فيجب أن لا يتبعض الجزاء ، فيجب على كل واحد كفارة .
وأما اختلافهم في هل يكون أحد الحكمين قاتل الصيد ؟ فالسبب فيه : معارضة مفهوم الظاهر لمفهوم المعنى الأصلي في الشرع ، وذلك أنه لم يشترطوا في الحكمين إلا العدالة ، فيجب على ظاهر هذا أن يجوز الحكم ممن يوجد فيه هذا الشرط ، سواء كان قاتل الصيد أو غير قاتل . وأما مفهوم المعنى الأصلي في الشرع : فهو أن المحكوم عليه لا يكون حاكما على نفسه .
وأما اختلافهم في الموضع ، فسببه الإطلاق - أعني : أنه لم يشترط فيه موضع - ، فمن شبهه بالزكاة في أنه حق للمساكين فقال : لا ينقل من موضعه . وأما من رأى أن المقصود بذلك إنما هو الرفق بمساكين مكة قال : لا يطعم إلا مساكين مكة . ومن اعتمد ظاهر الإطلاق قال : يطعم حيث شاء .
وأما اختلافهم في هل عليه كفارة أم لا ؟ فسببه : هل يقاس في الكفارات عند من يقول بالقياس ؟ وهل القياس أصل من أصول الشرع عند الذين يختلفون فيه ؟ فأهل الظاهر ينفون قياس قتل الصيد في الحرم على المحرم لمنعهم القياس في الشرع ، ويحق على أصل الحلال يقتل الصيد في الحرم أبي حنيفة أن يمنعه لمنعه القياس في الكفارات ، ولا خلاف بينهم في تعلق الاسم به لقوله - سبحانه وتعالى - : ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل ) . [ ص: 298 ] وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مكة يوم خلق السماوات والأرض " . إن الله حرم
وأما اختلافهم فيمن قتله ثم أكله هل عليه جزاء واحد أم جزاءان ؟ فسببه : هل أكله تعد ثان عليه سوى تعدي القتل أم لا ؟ وإن كان تعديا عليه فهل هو مساو للتعدي الأول أم لا ؟ وذلك أنهم اتفقوا على أنه إن أكل أثم .
ولما كان النظر في كفارة الجزاء يشتمل على أربعة أركان : معرفة الواجب في ذلك ، ومعرفة من تجب عليه ، ومعرفة الفعل الذي لأجله يجب ، ومعرفة محل الوجوب . وكان قد تقدم الكلام في أكثر هذه الأجناس ، وبقي من ذلك أمران : أحدهما : اختلاف في بعض الواجبات من الأمثال في بعض المصيدات . والثاني : ما هو صيد مما ليس بصيد ، يجب أن ينظر فيما بقي علينا من ذلك .
فمن أصول هذا الباب ما روي عن : " أنه قضى في الضبع بكبش ، وفي الغزال بعنز ، وفي الأرنب وفي اليربوع بجفرة " واليربوع : دويبة لها أربع قوائم وذنب ، تجتر كما تجتر الشاة ، وهي من ذوات الكروش ، والعنز عند أهل العلم : من المعز ما قد ولد أو ولد مثله . والجفرة والعناق : من المعز ، فالجفرة : ما أكل واستغنى عن الرضاع ، والعناق : قيل : فوق الجفرة ، وقيل : دونها . عمر بن الخطاب
وخالف مالك هذا الحديث فقال في الأرنب واليربوع : لا يقومان إلا بما يجوز هديا وأضحية ، وذلك الجذع فما فوقه من الضأن ، والثني فما فوقه من الإبل والبقر . وحجة مالك قوله - تعالى - : ( هديا بالغ الكعبة ) .
ولم يختلفوا أن من جعل على نفسه هديا أنه لا يجزيه أقل من الجذع فما فوقه من الضأن والثني مما سواه ، وفي صغار الصيد عند مالك مثل ما في كباره . وقال : يفدى صغار الصيد بالمثل من صغار النعم ، وكبار الصيد بالكبار منها ، وهو مروي عن الشافعي عمر وعثمان وعلي ، وحجته : أنها حقيقة المثل ، فعنده في النعامة الكبيرة بدنة ، وفي الصغيرة فصيل . وابن مسعود وأبو حنيفة على أصله في القيمة .
واختلفوا من هذا الباب في مكة وغيرها : فقال حمام مالك في حمام مكة : شاة ، وفي حمام الحل حكومة . واختلف قول ابن القاسم في مكة ، فقال مرة : شاة كحمام حمام الحرم غير مكة ، ومرة قال : حكومة كحمام الحل . وقال : في كل حمام شاة ، وفي حمام سوى الحرم قيمته . وقال الشافعي داود كل شيء لا مثل له من الصيد فلا جزاء فيها إلا الحمام فإن فيه شاة ، ولعله ظن ذلك إجماعا ، فإنه روي عن ولا مخالف له من الصحابة . وروي عن عمر بن الخطاب عطاء أنه قال : في كل شيء من الطير شاة .
واختلفوا من هذا الباب في : فقال بيض النعامة مالك : أرى في بيض النعامة عشر ثمن البدنة . وأبو حنيفة على أصله في القيمة ، ووافقه في هذه المسألة ، وبه قال الشافعي . وقال أبو ثور أبو حنيفة : إن كان فيها فرخ ميت فعليه الجزاء - أعني : جزاء النعامة . واشترط في ذلك أن يخرج حيا ثم يموت . أبو ثور
وروي عن علي أنه قضى في بيض النعامة بأن يرسل الفحل على الإبل فإذا تبين لقاحها سميت ما أصبت من البيض ، فقلت : هذا هدي ، ثم ليس عليك ضمان ما فسد من الحمل . وقال عطاء : من كانت له إبل فالقول قول علي ، وإلا ففي كل بيضة درهمان ، قال أبو عمر : وقد روي عن عن ابن عباس كعب بن [ ص: 299 ] عجرة عن النبي - عليه الصلاة والسلام - : " " من وجه ليس بالقوي . وروي عن في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه أن فيه القيمة ، قال : وفيه أثر ضعيف . ابن مسعود
وأكثر العلماء على أن الجراد من صيد البر يجب على المحرم فيه الجزاء . واختلفوا في الواجب من ذلك ، فقال عمر - رضي الله عنه - : قبضة من طعام ، وبه قال مالك . وقال أبو حنيفة وأصحابه : تمرة خير من جرادة . وقال : في الجراد قيمته ، وبه قال الشافعي إلا أنه قال : كل ما تصدق به من حفنة طعام أو تمرة فهو له قيمة . وروي عن أبو ثور أن فيها تمرة مثل قول ابن عباس أبي حنيفة . وقال ربيعة : فيها صاع من طعام وهو شاذ . وقد روي عن أن فيها شويهة وهو أيضا شاذ . ابن عمر
فهذه هي مشهورات ما اتفقوا على الجزاء فيه ، واختلفوا فيما هو الجزاء فيه .
وأما اختلافهم فيما هو صيد مما ليس بصيد ، وفيما هو من صيد البحر مما ليس منه : فإنهم اتفقوا على أنمحرم على المحرم إلا الخمس الفواسق المنصوص عليها ، واختلفوا فيما يلحق به مما ليس يلحق ، وكذلك اتفقوا على أن صيد البر ، واختلفوا فيما هو من صيد البحر مما ليس منه ، وهذا كله لقوله - تعالى - : ( صيد البحر حلالا كله للمحرم أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) ونحن نذكر مشهور ما اتفقوا عليه من هذين الجنسين وما اختلفوا فيه ، فنقول :
ثبت من حديث وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عمر " . واتفق العلماء على القول بهذا الحديث ، وجمهورهم على القول بإباحة قتل ما تضمنه لكونه ليس بصيد وإن كان بعضهم اشترط في ذلك أوصافا ما . واختلفوا هل هذا باب من الخاص أريد به الخاص ، أو باب من الخاص أريد به العام ، والذين قالوا هو من باب الخاص أريد به العام اختلفوا في أي عام أريد بذلك ، فقال خمس من الدواب ليس على المحرم جناح في قتلهن : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور مالك : الكلب العقور الوارد في الحديث إشارة إلى كل سبع عاد ، وأن ما ليس بعاد من السباع فليس للمحرم قتله ، ولم ير قتل صغارها التي لا تعدو ، ولا ما كان منها أيضا لا يعدو . ولا خلاف بينهم في قتل الحية والأفعى والأسود ، وهو مروي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - من حديث قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي سعيد الخدري تقتل الأفعى والأسود " .
وقال مالك : لا أرى قتل الوزغ ، والأخبار بقتلها متواترة ، لكن مطلقا لا في الحرم ، ولذلك توقف فيها مالك في الحرم .
وقال أبو حنيفة : لا يقتل من الكلاب العقورة إلا الكلب الإنسي والذئب . وشذت طائفة فقالت : لا يقتل إلا الغراب الأبقع . وقال : كل محرم الأكل فهو معني في الخمس . وعمدة الشافعي أنه إنما حرم على المحرم ما أحل للحلال ، وأن المباحة الأكل لا يجوز قتلها بإجماع لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد البهائم . الشافعي
وأما أبو حنيفة فلم يفهم من اسم الكلب الإنسي فقط بل من معناه كل ذئب وحشي .
واختلفوا في الزنبور فبعضهم شبهه بالعقرب ، وبعضهم رأى أنه أضعف نكاية من العقرب .
وبالجملة فالمنصوص عليها تتضمن أنواعا من الفساد ، فمن رأى أنه من باب الخاص أريد به العام ألحق [ ص: 300 ] بواحد واحد منها ما يشبه إن كان له شبه ، ومن لم ير ذلك قصر النهي على المنطوق به . وشذت طائفة فقالت : لا يقتل إلا الغراب الأبقع ، فخصصت عموم الاسم الوارد في الحديث الثابت بما روي عن عائشة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " " . وشذ خمس يقتلن في الحرم ، فذكر فيهن الغراب الأبقع النخعي فمنع المحرم قتل الصيد إلا الفأرة .
وأما اختلافهم فيما هو من صيد البحر مما ليس هو منه : فإنهم اتفقوا على أن السمك من صيد البحر ، واختلفوا ، وذلك بناء منهم على ما كان منه يحتاج إلى ذكاة فليس من صيد البحر ، وأكثر ذلك ما كان محرما ، ولا خلاف بين من يحل فيما عدا السمك ، وإنما اختلف هؤلاء جميع ما في البحر في أن صيده حلال وقياس قول أكثر العلماء أنه يلحق بالذي عيشه فيه غالبا ، وهو حيث يولد . والجمهور على أن طير الماء محكوم له بحكم حيوان البر . وروي عن فيما كان من الحيوان يعيش في البر وفي الماء بأي الحكمين يلحق ؟ عطاء أنه قال في طير الماء حيث يكون أغلب عيشه يحكم له بحكمه .
واختلفوا في فقال نبات الحرم هل فيه جزاء أم لا ؟ مالك : لا جزاء فيه ، وإنما فيه الإثم فقط للنهي الوارد في ذلك . وقال : فيه الجزاء في الدوحة بقرة ، وفيما دونها شاة . وقال الشافعي أبو حنيفة : كل ما كان من غرس الإنسان فلا شيء فيه ، وكل ما كان نابتا بطبعه ففيه قيمة .
وسبب الخلاف : هل يقاس النبات في هذا على الحيوان لاجتماعهما في النهي عن ذلك في قوله - عليه الصلاة والسلام - : " " . لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها
فهذا هو القول في مشهور مسائل هذا الجنس ، فلنقل في حكم الحالق رأسه قبل محل الحلق .