الفصل الرابع
في شرط الحرب
فأما : فهو بلوغ الدعوة باتفاق - أعني : أنه لا يجوز حرابتهم حتى يكونوا قد بلغتهم الدعوة - وذلك شيء مجمع عليه من المسلمين لقوله - تعالى - : ( شرط الحرب وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .
وأما هل يجب تكرار الدعوة عند تكرار الحرب : فإنهم اختلفوا في ذلك ، فمنهم من أوجبها ، ومنهم من استحبها ، ومنهم من لم يوجبها ولا استحبها .
والسبب في اختلافهم : معارضة القول للفعل ، وذلك أنه ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - " . كان إذا بعث سرية قال لأميرها : " إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، وكف عنهم . ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دراهم إلى دار المهاجرين ، وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين ، فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
وثبت من فعله - عليه الصلاة والسلام - : " أنه كان يبيت للعدو ويغير عليهم مع الغدوات " .
فمن الناس - وهم الجمهور - من ذهب إلى أن فعله ناسخ لقوله ، وأن ذلك إنما كان في أول الإسلام قبل أن تنتشر الدعوة ، بدليل دعوتهم فيه إلى الهجرة ، ومن الناس من رجح القول على الفعل ، وذلك بأن حمل الفعل على الخصوص . ومن استحسن الدعاء فهو وجه من الجمع .