المسألة الثانية
[ في تميز الصفات ]
أجمع العلماء على اجتناب التي لا تنقى ، مصيرا لحديث العرجاء البين عرجها في الضحايا ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء : " البراء بن عازب البراء يشير بيده ويقول : يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم : العرجاء البين عرجها ، والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقي " . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده ، وقال : أربع . وكان
وكذلك أجمعوا على أن ما كان من هذه الأربع خفيفا فلا تأثير له في منع الإجزاء . واختلفوا في موضعين :
أحدهما : فيما كان من العيوب أشد من هذه المنصوص عليها مثل العمى وكسر الساق .
والثاني : فيما كان مساويا لها في إفادة النقص وشينها ( أعني : ما كان من العيوب في الأذن والعين والذنب والضرس وغير ذلك من الأعضاء ولم يكن يسيرا ) .
فأما الموضع الأول : فإن الجمهور على أن فهي أحرى أن تمنع الإجزاء . وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا تمنع الإجزاء ، ولا يتجنب بالجملة أكثر من هذه العيوب التي وقع النص عليها . ما كان أشد من هذه العيوب المنصوص عليها
وسبب اختلافهم : هل هذا اللفظ الوارد هو خاص أريد به الخصوص ، أو خاص أريد به العموم ؟ فمن قال : أريد به الخصوص ولذلك أخبر بالعدد ، قال : لا يمنع الإجزاء إلا هذه الأربعة فقط . ومن قال : هو خاص أريد به العموم ; وذلك من النوع الذي يقع فيه التنبيه بالأدنى على الأعلى ، قال : ما هو أشد من المنصوص عليها فهو أحرى أن لا يجزي .
وأما الموضع الثاني : ( أعني : على نحو إفادة هذه العيوب المنصوص عليها له ) فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال : ما كان من العيوب في سائر الأعضاء مفيدا للنقص
أحدها : أنها تمنع الإجزاء كمنع المنصوص عليها ، وهو المعروف من مذهب مالك في الكتب المشهورة .
والقول الثاني : أنها لا تمنع الإجزاء وإن كان يستحب اجتنابها ، وبه قال ابن القصار ، وابن الجلاب وجماعة من البغداديين من أصحاب مالك .
[ ص: 355 ] والقول الثالث : أنها لا تمنع الإجزاء ولا يستحب تجنبها ، وهو قول أهل الظاهر .
وسبب اختلافهم شيئان :
أحدهما : اختلافهم في مفهوم الحديث المتقدم .
والثاني : تعارض الآثار في هذا الباب .
أما الحديث المتقدم : فمن رآه من باب الخاص أريد به الخاص قال : لا يمنع ما سوى الأربع مما هو مساو لها أو أكثر منها . وأما من رآه من باب الخاص أريد به العام - وهم الفقهاء - فمن كان عنده أنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فقط ; لا من باب التنبيه بالمساوي على المساوي ، قال : يلحق بهذه الأربع ما كان أشد منها ، ولا يلحق بها ما كان مساويا لها في منع الإجزاء إلا على وجه الاستحباب . ومن كان عنده أنه من باب التنبيه على الأمرين جميعا ( أعني : على ما هو أشد من المنطوق به ، أو مساويا له ) قال : تمنع العيوب الشبيهة بالمنصوص عليها الإجزاء ، كما يمنعه العيوب التي هي أكبر منها .
فهذا هو أحد أسباب الخلاف في هذه المسألة ، وهو من قبل تردد اللفظ بين أن يفهم منه المعنى الخاص ، أو المعنى العام ، ثم إن من فهم منه العام ; فأي عام هو ؟ هل الذي هو أكثر من ذلك ؟ أو الذي هو أكثر والمساوي معا على المشهور من مذهب مالك ؟
وأما السبب الثاني : فإنه ورد في هذا الباب من الأحاديث الحسان حديثان متعارضان :
فذكر عن النسائي أبي بردة أنه قال : " . " يا رسول الله أكره النقص يكون في القرن والأذن ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما كرهته فدعه ولا تحرمه على غيرك
وذكر قال : " علي بن أبي طالب . أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، ولا يضحى بشرقاء ولا خرقاء ولا مدابرة ولا بتراء " والشرقاء : المشقوقة الأذن . والخرقاء : المثقوبة الأذن ، والمدابرة : التي قطع من جنبتي أذنها من خلف
فمن رجح حديث أبي بردة قال : لا يتقى إلا العيوب الأربع ، أو ما هو أشد منها ، ومن جمع بين الحديثين بأن حمل حديث أبي بردة على اليسير الذي هو غير بين ، وحديث علي على الكثير الذي هو بين ألحق بحكم المنصوص عليها ما هو مساو لها ، ولذلك جرى أصحاب هذا المذهب إلى التحديد فيما يمنع الإجزاء مما يذهب من هذه الأعضاء ، فاعتبر بعضهم ذهاب الثلث من الأذن والذنب ، وبعضهم اعتبر الأكثر ، وكذلك الأمر في ذهاب الأسنان ، وأطباء الثدي ، وأما القرن فإن مالكا قال : ليس ذهاب جزء منه عيبا إلا أن يكون يدمي فإنه عنده من باب المرض ، ولا خلاف في أن المرض البين يمنع الإجزاء . وخرج أبو داود : " " . أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أعضب الأذن والقرن
واختلفوا في ، فذهب الصكاء ( وهي التي خلقت بلا أذنين ) مالك إلى أنها لا تجوز . وذهب والشافعي أبو حنيفة إلى أنه إذا كان خلقة جاز كالأجم . ولم يختلف الجمهور أن قطع الأذن كله أو أكثره عيب ، وكل هذا الاختلاف راجع إلى ما قدمناه .
واختلفوا في : فقوم أجازوه لحديث الأبتر جابر الجعفي عن محمد بن قرظة عن أنه قال : " أبي سعيد الخدري " . اشتريت كبشا لأضحي به ، فأكل الذئب ذنبه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ضح به وجابر عند [ ص: 356 ] أكثر المحدثين لا يحتج به وقوم أيضا منعوه لحديث علي المتقدم .