[ المسألة الثالثة ]
[ إذا لم يعلم أن الكتابي سمى الله على الذبيحة ]
وأما المسألة الثالثة ( وهي ) : فقال الجمهور : تؤكل ، وهو مروي عن إذا لم يعلم أن أهل الكتاب سموا الله على الذبيحة علي ، ولست أذكر فيه في هذا الوقت خلافا ، ويتطرق إليه الاحتمال بأن يقال : إن الأصل هو أن لا يؤكل من تذكيتهم إلا ما كان على شروط الإسلام ، فإذا قيل على هذا : إن التسمية من شرط التذكية وجب أن لا تؤكل ذبائحهم بالشك في ذلك .
وأما فإن من العلماء من كرهه ، وهو قول إذا علم أنهم ذبحوا ذلك لأعيادهم وكنائسهم مالك . ومنهم من أباحه ، وهو قول أشهب . ومنهم من حرمه ، وهو . الشافعي
وسبب اختلافهم : تعارض عمومي الكتاب في هذا الباب ، وذلك أن قوله تعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) يحتمل أن يكون مخصصا لقوله تعالى : ( وما أهل به لغير الله ) . ويحتمل أن يكون قوله تعالى : ( وما أهل به لغير الله ) مخصصا لقوله تعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) إذ كان كل واحد منهما يصح أن يستثنى من الآخر .
فمن جعل قوله تعالى : ( وما أهل به لغير الله ) مخصصا لقوله تعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) قال : لا يجوز ما أهل به للكنائس والأعياد . ومن عكس الأمر قال : يجوز .
وأما إذا ، فقيل : يجوز ، وقيل : لا يجوز ، وقيل : بالفرق بين أن تكون محرمة عليهم بالتوراة ، أو من قبل أنفسهم ( أعني : بإباحة ما ذبحوا مما حرموا على أنفسهم ومنع ما حرم الله عليهم ) ، وقيل : يكره ولا يمنع ، والأقاويل الأربعة موجودة في المذهب : المنع عن كانت الذبيحة مما حرمت عليهم ابن القاسم ، [ ص: 372 ] والإباحة عن ابن وهب وابن عبد الحكم ، والتفرقة عن أشهب .
وأصل الاختلاف : معارضة عموم الآية لاشتراط نية الذكاة ( أعني : اعتقاد تحليل الذبيحة بالتذكية ) .
فمن قال : ذلك شرط في التذكية قال : لا تجوز هذه الذبائح ، لأنهم لا يعتقدون تحليلها بالتذكية . ومن قال : ليس بشرط فيها ; وتمسك بعموم الآية المحللة قال : تجوز هذه الذبائح .
وهذا بعينه هو سبب اختلافهم في أكل الشحوم من ذبائحهم ، ولم يخالف في ذلك أحد غير مالك وأصحابه ، فمنهم من قال : إن الشحوم محرمة وهو قول أشهب . ومنهم من قال : مكروهة ، والقولان عن مالك . ومنهم من قال : مباحة .
ويدخل في الشحوم سبب آخر من أسباب الخلاف سوى معارضة العموم لاشتراط اعتقاد تحليل الذبيحة بالذكاة ، وهو هل تتبعض التذكية أو لا تتبعض ؟ .
فمن قال : تتبعض قال : لا تؤكل الشحوم ، ومن قال لا تتبعض قال : يؤكل الشحم .
ويدل على تحليل شحوم ذبائحهم حديث عبد الله بن مغفل ، وقد تقدم في كتاب الجهاد . إذ أصاب جراب الشحم يوم خيبر