الباب الثاني
في
nindex.php?page=treesubj&link=11702المطلق الجائز الطلاق
- واتفقوا على أنه الزوج العاقل البالغ الحر غير المكره ، واختلفوا في طلاق المكره والسكران وطلاق المريض وطلاق المقارب للبلوغ .
واتفقوا على أنه يقع
nindex.php?page=treesubj&link=11774طلاق المريض إن صح ، واختلفوا هل ترثه إن مات أم لا ؟ .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=11766طلاق المكره : فإنه غير واقع عند
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
وداود وجماعة ، وبه قال
عبد الله بن عمر ،
وابن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . وفرق أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بين أن ينوي الطلاق أو لا ينوي شيئا ، فإن نوى الطلاق فعنهم قولان : أصحهما لزومه ، وإن لم ينو فقولان : أصحهما أنه لا يلزم . وقال
أبو حنيفة وأصحابه : هو واقع . وكذلك عتقه دون بيعه ، ففرقوا بين البيع والطلاق والعتق .
وسبب الخلاف : هل المطلق من قبل الإكراه مختار أم ليس بمختار ؟ لأنه ليس يكره على اللفظ إذ كان اللفظ إنما يقع باختياره . والمكره على الحقيقة هو الذي لم يكن له اختيار في إيقاع الشيء أصلا . وكل واحد من الفريقين يحتج بقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006904رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " . ولكن الأظهر أن المكره على الطلاق وإن كان موقعا للفظ باختياره أنه ينطلق عليه في الشرع اسم المكره لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
وإنما فرق
أبو حنيفة بين البيع والطلاق ، لأن الطلاق مغلظ فيه ، ولذلك استوى جده وهزله .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=11776طلاق الصبي : فإن المشهور عن
مالك أنه لا يلزمه حتى يبلغ ; وقال في مختصر ما ليس في المختصر : أنه يلزمه إذا ناهز الاحتلام ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل إذا هو أطاق صيام رمضان . وقال
عطاء : إذا بلغ اثنتي عشرة سنة جاز طلاقه ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=11767طلاق السكران : فالجمهور من الفقهاء على وقوعه . وقال قوم : لا يقع ، منهم
المزني وبعض أصحاب
أبي حنيفة .
والسبب في اختلافهم : هل حكمه حكم المجنون ، أم بينهما فرق ؟ .
فمن قال هو والمجنون سواء ، إذ كان كلاهما فاقدا للعقل ; ومن شرط التكليف العقل قال : لا يقع . ومن قال : الفرق بينهما أن السكران أدخل الفساد على عقله بإرادته ; والمجنون بخلاف ذلك، ألزم السكران الطلاق ، وذلك من باب التغليظ عليه .
واختلف الفقهاء فيما يلزم السكران بالجملة من الأحكام وما لا يلزمه ، فقال
مالك : يلزمه الطلاق والعتق والقود من الجراح والقتل ، ولم يلزمه النكاح ولا البيع . وألزمه
أبو حنيفة كل شيء . وقال
الليث :
[ ص: 461 ] كل ما جاء من منطق السكران فموضوع عنه ، ولا يلزمه طلاق ولا عتق ولا نكاح ولا بيع ولا حد في قذف ، وكل ما جنته جوارحه فلازم له ، فيحد في الشرب والقتل والزنى والسرقة . وثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان لا يرى طلاق السكران ، وزعم بعض أهل العلم أنه لا مخالف
لعثمان في ذلك من الصحابة .
وقول من قال : إن كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه ليس نصا في إلزام السكران الطلاق لأن السكران معتوه ما ، وبه قال
داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وإسحاق وجماعة من التابعين ( أعني : أن طلاقه ليس يلزم ) . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القولان في ذلك ، واختار أكثر أصحابه قوله الموافق للجمهور ، واختار
المزني من أصحابه : إن طلاقه غير واقع .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=11774المريض الذي يطلق طلاقا بائنا ويموت من مرضه ، فإن
مالكا وجماعة يقول : ترثه زوجته .
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وجماعة لا يورثها .
والذين قالوا بتوريثها انقسموا ثلاث فرق :
ففرقة قالت : لها الميراث ما دامت في العدة ، وممن قال بذلك
أبو حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
وقال قوم : لها الميراث ما لم تتزوج ، وممن قال بهذا
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى .
وقال قوم : بل ترث كانت في العدة أو لم تكن ، تزوجت أم لم تتزوج ، وهو مذهب
مالك ،
والليث .
وسبب الخلاف : اختلافهم في وجوب العمل بسد الذرائع ، وذلك أنه لما كان المريض يتهم في أن يكون إنما طلق في مرضه زوجته ليقطع حظها من الميراث . فمن قال بسد الذرائع أوجب ميراثها ; ومن لم يقل بسد الذرائع ولحظ وجوب الطلاق لم يوجب لها ميراثا ، وذلك أن هذه الطائفة تقول : إن كان الطلاق قد وقع فيجب أن يقع بجميع أحكامه ، لأنهم قالوا : إنه لا يرثها إن ماتت وإن كان لم يقع فالزوجية باقية بجميع أحكامها ، ولا بد لخصومهم من أحد الجوابين ، لأنه يعسر أن يقال إن في الشرع نوعا من الطلاق توجد له بعض أحكام الطلاق وبعض أحكام الزوجية .
وأعسر من ذلك القول بالفرق بين أن يصح أو لا يصح ، لأن هذا يكون طلاقا موقوف الحكم إلى أن يصح أو لا يصح ، وهذا كله مما يعسر القول به في الشرع ، ولكن إنما أنس القائلون به أنه فتوى
عثمان وعمر ، حتى زعمت المالكية أنه إجماع الصحابة ، ولا معنى لقولهم فإن الخلاف فيه عن
ابن الزبير مشهور .
وأما من رأى أنها ترث في العدة ، فلأن العدة عنده من بعض أحكام الزوجية ، وكأنه شبهها بالمطلقة الرجعية ، وروي هذا القول عن
عمر ، وعن
عائشة .
وأما من اشترط في توريثها ما لم تتزوج فإنه لحظ في ذلك إجماع المسلمين على أن المرأة الواحدة لا ترث زوجين ، ولكون التهمة هي العلة عند الذين أوجبوا الميراث .
واختلفوا إذا طلبت هي الطلاق ، أو ملكها أمرها الزوج فطلقت نفسها ، فقال
أبو حنيفة : لا ترث أصلا . وفرق
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي بين التمليك والطلاق فقال : ليس لها ميراث في التمليك ، ولها في الطلاق . وسوى
مالك في ذلك كله ، حتى لقد قال : إن ماتت لا يرثها ، وترثه هي إن مات ، وهذا مخالف للأصول جدا .
الْبَابُ الثَّانِي
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11702الْمُطَلِّقِ الْجَائِزِ الطَّلَاقِ
- وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الزَّوْجُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْحُرُّ غَيْرُ الْمُكْرَهِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَطَلَاقِ الْمَرِيضِ وَطَلَاقِ الْمُقَارِبِ لِلْبُلُوغِ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ
nindex.php?page=treesubj&link=11774طَلَاقُ الْمَرِيضِ إِنْ صَحَّ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَرِثُهُ إِنْ مَاتَ أَمْ لَا ؟ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11766طَلَاقُ الْمُكْرَهِ : فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ عِنْدِ
مَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ،
وَأَحْمَدَ ،
وَدَاوُدَ وَجَمَاعَةٍ ، وَبِهِ قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،
وَابْنُ الزُّبَيْرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ . وَفَرَّقَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ أَوْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا ، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَعَنْهُمْ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَقَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : هُوَ وَاقِعٌ . وَكَذَلِكَ عِتْقُهُ دُونَ بَيْعِهِ ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : هَلِ الْمُطَلِّقُ مِنْ قِبَلِ الْإِكْرَاهِ مُخْتَارٌ أَمْ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُكْرَهُ عَلَى اللَّفْظِ إِذْ كَانَ اللَّفْظُ إِنَّمَا يَقَعُ بِاخْتِيَارِهِ . وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي إِيقَاعِ الشَّيْءِ أَصْلًا . وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006904رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " . وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ مُوقِعًا لِلَّفْظِ بِاخْتِيَارِهِ أَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ اسْمُ الْمُكْرَهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) .
وَإِنَّمَا فَرَّقَ
أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُغَلَّظٌ فِيهِ ، وَلِذَلِكَ اسْتَوَى جِدُّهُ وَهَزْلُهُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11776طَلَاقُ الصَّبِيِّ : فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَبْلُغَ ; وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ : أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا هُوَ أَطَاقَ صِيَامَ رَمَضَانَ . وَقَالَ
عَطَاءٌ : إِذَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً جَازَ طَلَاقُهُ ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11767طَلَاقُ السَّكْرَانِ : فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى وُقُوعِهِ . وَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَقَعُ ، مِنْهُمُ
الْمُزَنِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ : هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ ، أَمْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ؟ .
فَمَنْ قَالَ هُوَ وَالْمَجْنُونُ سَوَاءٌ ، إِذْ كَانَ كِلَاهُمَا فَاقِدًا لِلْعَقْلِ ; وَمِنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ الْعَقْلُ قَالَ : لَا يَقَعُ . وَمَنْ قَالَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّكْرَانَ أَدْخَلَ الْفَسَادَ عَلَى عَقْلِهِ بِإِرَادَتِهِ ; وَالْمَجْنُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، أَلْزَمَ السَّكْرَانَ الطَّلَاقَ ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ بِالْجُمْلَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَمَا لَا يَلْزَمُهُ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْقَوَدُ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ النِّكَاحَ وَلَا الْبَيْعَ . وَأَلْزَمَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ كُلَّ شَيْءٍ . وَقَالَ
اللَّيْثُ :
[ ص: 461 ] كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ مَنْطِقِ السَّكْرَانِ فَمَوْضُوعٌ عَنْهُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا نِكَاحٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا حَدٌّ فِي قَذْفٍ ، وَكُلُّ مَا جَنَتْهُ جَوَارِحُهُ فَلَازِمٌ لَهُ ، فَيُحَدُّ فِي الشُّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ . وَثَبَتَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقَ السَّكْرَانِ ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا مُخَالِفَ
لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ .
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ لَيْسَ نَصًّا فِي إِلْزَامِ السَّكْرَانِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ مَعْتُوهٌ مَا ، وَبِهِ قَالَ
دَاوُدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ ،
وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ ( أَعْنِي : أَنَّ طَلَاقَهُ لَيْسَ يَلْزَمُ ) . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ فِي ذَلِكَ ، وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ قَوْلَهُ الْمُوَافِقَ لِلْجُمْهُورِ ، وَاخْتَارَ
الْمُزَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ : إِنَّ طَلَاقَهُ غَيْرُ وَاقِعٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11774الْمَرِيضُ الَّذِي يُطَلِّقُ طَلَاقًا بَائِنًا وَيَمُوتُ مِنْ مَرَضِهِ ، فَإِنَّ
مَالِكًا وَجَمَاعَةً يَقُولُ : تَرِثُهُ زَوْجَتُهُ .
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا يُوَرِّثُهَا .
وَالَّذِينَ قَالُوا بِتَوْرِيثِهَا انْقَسَمُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ :
فَفِرْقَةٌ قَالَتْ : لَهَا الْمِيرَاثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ .
وَقَالَ قَوْمٌ : لَهَا الْمِيرَاثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا
أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى .
وَقَالَ قَوْمٌ : بَلْ تَرِثُ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تَكُنْ ، تَزَوَّجَتْ أَمْ لَمْ تَتَزَوَّجْ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ ،
وَاللَّيْثِ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : اخْتِلَافُهُمْ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَرِيضُ يُتَّهَمُ فِي أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا طَلَّقَ فِي مَرَضِهِ زَوْجَتَهُ لِيَقْطَعَ حَظَّهَا مِنَ الْمِيرَاثِ . فَمَنْ قَالَ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ أَوْجَبَ مِيرَاثَهَا ; وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ وَلَحَظَ وُجُوبَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجِبْ لَهَا مِيرَاثًا ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ تَقُولُ : إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّهُ لَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ فَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهَا ، وَلَا بُدَّ لِخُصُومِهِمْ مِنْ أَحَدِ الْجَوَابَيْنِ ، لِأَنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي الشَّرْعِ نَوْعًا مِنَ الطَّلَاقِ تُوجَدُ لَهُ بَعْضُ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَبَعْضُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ .
وَأَعْسَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَصِحَّ أَوْ لَا يَصِحَّ ، لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ طَلَاقًا مَوْقُوفَ الْحُكْمِ إِلَى أَنْ يَصِحَّ أَوْ لَا يَصِحَّ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَعْسُرُ الْقَوْلُ بِهِ فِي الشَّرْعِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنِسَ الْقَائِلُونَ بِهِ أَنَّهُ فَتْوَى
عُثْمَانَ وَعُمَرَ ، حَتَّى زَعَمَتِ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ عَنِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ مَشْهُورٌ .
وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّهَا تَرِثُ فِي الْعِدَّةِ ، فَلِأَنَّ الْعِدَّةَ عِنْدَهُ مِنْ بَعْضِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَكَأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ ، وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ
عُمَرَ ، وَعَنْ
عَائِشَةَ .
وَأَمَّا مَنِ اشْتَرَطَ فِي تَوْرِيثِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ لَحَظَ فِي ذَلِكَ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَرِثُ زَوْجَيْنِ ، وَلِكَوْنِ التُّهْمَةِ هِيَ الْعِلَّةُ عِنْدَ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْمِيرَاثَ .
وَاخْتَلَفُوا إِذَا طَلَبَتْ هِيَ الطَّلَاقَ ، أَوْ مَلَّكَهَا أَمْرَهَا الزَّوْجُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ، فَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَرِثُ أَصْلًا . وَفَرَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالطَّلَاقِ فَقَالَ : لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ فِي التَّمْلِيكِ ، وَلَهَا فِي الطَّلَاقِ . وَسَوَّى
مَالِكٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ : إِنْ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا ، وَتَرِثُهُ هِيَ إِنْ مَاتَ ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ جِدًّا .