الباب الثاني
في الطوارئ .
، وهذان إما من قبل المخلوق ، وإما من قبل الخالق . والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان
فأما النقصان الذي يكون بأمر من السماء ، فإنه ليس له إلا أن يأخذه ناقصا ، أو يضمنه قيمته يوم الغصب ، وقيل إن له أن يأخذ ويضمن الغاصب قيمة العيب .
وأما إن كان النقص بجناية الغاصب ، فالمغصوب مخير في المذهب بين أن يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه ، وما نقصته الجناية يوم الجناية عند ابن القاسم ، وعند ما نقصته الجناية يوم الغصب . سحنون
وذهب أشهب إلى أنه مخير بين أن يضمنه القيمة أو يأخذه ناقصا ، ولا شيء له في الجناية ، كالذي يصاب بأمر من السماء ، وإليه ذهب . ابن المواز
والسبب في هذا الاختلاف أن من جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم الغصب جعل ما حدث فيه من نماء أو نقصان ، كأنه حدث في ملك صحيح ، فأوجب له الغلة ولم يوجب عليه في النقصان شيئا سواء كان من سببه أو من عند الله ، وهو قياس قول أبي حنيفة .
وبالجملة فقياس قول من يضمنه قيمته يوم الغصب فقط ، ومن جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بقيمته في كل أوان كانت يده عليه آخذة بأرفع القيم ، وأوجب عليه رد الغلة وضمان النقصان ، سواء كان من فعله أو من عند الله ، وهو قول أو قياس قوله . ومن فرق بين الجناية التي تكون من الغاصب ، وبين الجناية التي تكون بأمر من السماء - وهو مشهور مذهب الشافعي مالك ، وابن القاسم - فعمدته قياس الشبه ; لأنه رأى أن جناية الغاصب على الشيء الذي غصبه هو غصب ثان متكرر منه ، كما لو جنى عليه وهو في ملك صاحبه ، فهذا هو نكتة الاختلاف في هذا الباب فقف عليه .
وأما إن كانت الجناية عند الغاصب من غير فعل الغاصب ، فالمغصوب مخير بين أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ويتبع الغاصب الجاني ، وبين أن يترك الغاصب ويتبع الجاني بحكم الجنايات ، فهذا حكم الجنايات على العين في يد الغاصب .
وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب ، فإنها تنقسم عند مالك إلى قسمين :
1 - جناية تبطل يسيرا من المنفعة ، والمقصود من الشيء باق ، فهذا يجب فيه ما نقص يوم الجناية ، وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية ، فيعطى ما بين القيمتين .
[ ص: 655 ] 2 - وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود ; فإن صاحبه يكون مخيرا إن شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته ، وإن شاء أخذ قيمة الجناية ، وقال الشافعي وأبو حنيفة : ليس له إلا قيمة الجناية .
وسبب الاختلاف الالتفات إلى الحمل على الغاصب ، وتشبيه إتلاف أكثر المنفعة بإتلاف العين .
وأما النماء فإنه على قسمين :
أحدهما : أن يكون بفعل الله كالصغير يكبر ، والمهزول يسمن والعيب يذهب .
والثاني : أن يكون مما أحدثه الغاصب .
فأما الأول : فإنه ليس بفوت .
وأما النماء بما أحدثه الغاصب في الشيء المغصوب ، فإنه ينقسم فيما رواه ابن القاسم عن مالك إلى قسمين :
أحدهما : أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب والنقش في البناء وما أشبه ذلك .
والثاني : أن لا يكون قد جعل فيه من ماله سوى العمل كالخياطة والنسج وطحن الحنطة والخشبة يعمل منها توابيت .
فأما الوجه الأول - وهو أن يجعل فيه من ماله ما له عين قائمة - فإنه ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : أن يكون ذلك الشيء مما يمكنه إعادته على حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه ذلك .
والثاني : أن لا يقدر على إعادته كالثوب يصبغه والسويق يلته .
فأما الوجه الأول ، فالمغصوب منه مخير بين أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة على حالها وإزالة ما له فيها مما جعله من نقض أو غيره ، وبين أن يعطي الغاصب قيمة ما له فيها من النقض مقلوعا بعد حط أجر القلع ، وهذا إذا كان الغاصب ممن لا يتولى ذلك بنفسه ولا بغيره ، وإنما يستأجر عليه ، وقيل : إنه لا يحط من ذلك أجر القلع ، هذا إن كانت له قيمة ، وأما إن لم تكن له قيمة لم يكن للغاصب على المغصوب فيه شيء ; لأن من حق المغصوب أن يعيد له الغاصب ما غصب منه على هيئته ، فإن لم يطالبه بذلك لم يكن له مقال .
وأما الوجه الثاني ، فهو فيه مخير بين أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبهه ويأخذ ثوبه ، وبين أن يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه ، إلا في السويق الذي يلته في السمن وما أشبه ذلك من الطعام ، فلا يخير فيه لما يدخله من الربا ، ويكون ذلك فوتا يلزم الغاصب فيه المثل ، أو القيمة فيما لا مثل له .
وأما الوجه الثاني من التقسيم الأول ( وهو أن لا يكون أحدث الغاصب فيما أحدثه في الشيء المغصوب سوى العمل ) فإن ذلك أيضا ينقسم قسمين :
أحدهما : أن يكون ذلك يسيرا لا ينتقل به الشيء عن اسمه بمنزلة الخياطة في الثوب أو الرفولة .
والثاني أن يكون العمل كثيرا ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه ، كالخشبة يعمل منها تابوتا ، والقمح يطحنه ، والغزل ينسجه ، والفضة يصوغها حليا أو دراهم .
فأما الوجه الأول : فلا حق فيه للغاصب ، ويأخذ المغصوب منه الشيء المغصوب معمولا .
[ ص: 656 ] وأما الوجه الثاني فهو فوت يلزم الغاصب قيمة الشيء المغصوب يوم غصبه أو مثله فيما له مثل ، هذا تفصيل مذهب ابن القاسم في هذا المعنى .
وأشهب يجعل ذلك كله للمغصوب ، أصله مسألة البنيان فيقول : إنه لا حق للغاصب فيما لا يقدر على أخذه من الصبغ والرفو والنسج والدباغ والطحين .
وقد روي عن أن الصبغ تفويت يلزم الغاصب فيه القيمة يوم الغصب . ابن عباس
وقد قيل إنهما يكونان شريكين ، هذا بقيمة الصبغ ، وهذا بقيمة الثوب إن أبى رب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ ، وإن أبى الغاصب أن يدفع قيمة الثوب ، وهذا القول أنكره ابن القاسم في المدونة في كتاب اللقطة ، وقال : إن الشركة لا تكون إلا فيما كان بوجه شبهة جلية .
وقول في الصبغ مثل قول الشافعي ابن القاسم إلا أنه يجيز الشركة بينهما ، ويقول : إنه يؤمر الغاصب بقلب الصبغ إن أمكنه وإن نقص الثوب ، ويضمن للمغصوب مقدار النقصان ، وأصول الشرع تقتضي أن لا يستحل ماله الغاصب من أجل غصبه ، وسواء كان منفعة أو عينا ، إلا أن يحتج محتج بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " " لكن هذا مجمل ، ومفهومه الأول أنه ليس له منفعة متولدة بين ماله وبين الشيء الذي غصبه ( أعني : ماله المتعلق بالمغصوب ) ، فهذا هو حكم الواجب في عين المغصوب تغير أو لم يتغير . ليس لعرق ظالم حق
وأما حكم غلته ، فاختلف في ذلك في المذهب على قولين :
أحدهما : أن حكم الغلة حكم الشيء المغصوب .
والثاني : أن حكمهما بخلاف الشيء المغصوب .
فمن ذهب إلى أن حكمهما حكم الشيء المغصوب - وبه قال أشهب من أصحاب مالك - يقول : إنما تلزمه الغلة يوم قبضها أو أكثر مما انتهت إليه بقيمتها على قول من يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها لا قيمة الشيء المغصوب يوم الغصب .
وأما الذين ذهبوا إلى أن حكم الغلة بخلاف حكم الشيء المغصوب ، فاختلفوا في حكمها اختلافا كثيرا بعد اتفاقهم على أنها إن تلفت ببينة أنه لا ضمان على الغاصب ، وأنه إن ادعى تلفها لم يصدق وإن كان مما لا يغاب عليه .
وتحصيل مذهب هؤلاء في حكم الغلة هو أن الغلال تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - أحدها : غلة متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد .
2 - وغلة متولدة عن الشيء لا على صورته ، وهو مثل الثمر ولبن الماشية وجبنها وصوفها .
3 - وغلال غير متولدة بل هي منافع ، وهي الأكرية والخراجات وما أشبه ذلك .
فأما ما كان على خلقته وصورته فلا خلاف أعلمه أن الغاصب يرده كالولد مع الأم المغصوبة وإن كان ولد الغاصب . وإنما اختلفوا في ذلك إذا ماتت الأم ، فقال مالك : هو مخير بين الولد وقيمة الأم ، وقال : بل يرد الولد وقيمة الأم وهو القياس . الشافعي
وأما إن كان متولدا على غير خلقة الأصل وصورته ففيه قولان : أحدهما أن للغاصب ذلك المتولد .
[ ص: 657 ] والثاني أنه يلزمه رده مع الشيء المغصوب إن كان قائما أو قيمتها إن ادعى تلفها ولم يعرف ذلك إلا من قوله ، فإن تلف الشيء المغصوب كان مخيرا بين أن يضمنه بقيمته ولا شيء له في الغلة ، وبين أن يأخذه بالغلة ولا شيء له من القيمة .
وأما ما كان غير متولد ، فاختلفوا فيه على خمسة أقوال :
أحدها : أنه لا يلزمه رده جملة من غير تفصيل .
والثاني : أنه يلزمه رده من غير تفصيل أيضا .
والثالث : أنه يلزمه الرد إن أكرى ، ولا يلزمه الرد إن انتفع أو عطل .
والرابع : يلزمه إن أكرى أو انتفع ، ولا يلزمه إن عطل .
والخامس : الفرق بين الحيوان والأصول ( أعني أنه يرد قيمة منافع الأصول ، ولا يرد قيمة منافع الحيوان ) .
وهذا كله فيما اغتل من العين المغصوبة مع عينها وقيامها . وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها ، كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها فيربح ، فالغلة له قولا واحدا في المذهب ، وقال قوم : الربح للمغصوب .
وهذا أيضا إذا قصد غصب الأصل . وأما إذا قصد غصب الغلة دون الأصل فهو ضامن للغلة بإطلاق ، ولا خلاف في ذلك سواء عطل أو انتفع أو أكرى ، كان مما يزال به أو بما لا يزال به ، وقال أبو حنيفة : إنه من تعدى على دابة رجل فركبها أو حمل عليها فلا كراء عليه في ركوبه إياها ولا في حمله ; لأنه ضامن لها إن تلفت في تعديه ، وهذا قوله في كل ما ينقل ويحول; فإنه لما رأى أنه قد ضمنه بالتعدي وصار في ذمته جازت له المنفعة كما تقول المالكية فيما تجر به من المال المغصوب ، وإن كان الفرق بينهما أن الذي تجر به تحولت عينه ، وهذا لم تتحول عينه .
وسبب اختلافهم في هل يرد الغاصب الغلة أو لا يردها اختلافهم في تعميم قوله - عليه الصلاة والسلام - : " " وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الخراج بالضمان " . ليس لعرق ظالم حق
وذلك أن قوله - عليه الصلاة والسلام - هذا خرج على سبب ، وهو في غلام قيم فيه بعيب ، فأراد الذي صرف عليه أن يرد المشتري غلته ، وإذا خرج العام على سبب هل يقصر على سببه أم يحمل على عمومه ؟ فيه خلاف بين فقهاء الأمصار مشهور ، فمن قصر هاهنا هذا الحكم على سببه ، قال : إنما تجب الغلة من قبل الضمان فيما صار إلى الإنسان بشبهة ، مثل أن يشتري شيئا فيستغله فيستحق منه . وأما ما صار إليه بغير وجه شبهة فلا تجوز له الغلة لأنه ظالم ، وليس لعرق ظالم حق ، فعمم هذا الحديث في الأصل والغلة ( أعني : عموم هذا الحديث ) وخصص الثاني .
وأما من عكس الأمر فعمم قوله - عليه الصلاة والسلام - : " " على أكثر من السبب الذي خرج عليه ، وخصص قوله - عليه الصلاة والسلام - : " الخراج بالضمان " بأن جعل ذلك في الرقبة دون الغلة ، قال : لا يرد الغلة الغاصب . ليس لعرق ظالم حق
وأما من المعنى كما تقدم من قولنا فالقياس أن تجري المنافع والأعيان المتولدة مجرى واحدا ، وأن يعتبر التضمن أو لا يعتبر . وأما سائر الأقاويل التي بين هذين فهي استحسان .
وأجمع العلماء على أن من اغترس نخلا أو ثمرا بالجملة ونباتا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع لما ثبت [ ص: 658 ] من حديث مالك عن عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " هشام بن عروة " والعرق الظالم عندهم هو ما اغترس في أرض الغير . وروى من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق أبو داود في هذا الحديث زيادة عن عروة : ولقد حدثني الذي حدثني هذا الحديث : " " ، إلا ما روي في المشهور عن أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر ، فقضى لصاحب الأرض بأرضه ، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال : فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس ، وإنها لنخل عم حتى أخرجت منها مالك " أن من زرع زرعا في أرض غيره وفات أوان زراعته لم يكن لصاحب الأرض أن يقلع زرعه ، وكان على الزارع كراء الأرض " . وقد روي عنه ما يشبه قياس قول الجمهور ، وعلى قوله : إن كل ما لا ينتفع الغاصب به إذا قلعه وأزاله أنه للمغصوب ، يكون الزرع على هذا للزارع .
وفرق قوم بين الزرع والثمار فقالوا : الزارع في أرض غيره له نفقته وزريعته ، وهو قول كثير من أهل المدينة ، وبه قال أبو عبيد ، وروي عن ، أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " رافع بن خديج " . من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من الزرع شيء
واختلف العلماء في على أربعة أقوال : القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب
أحدها : أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن لما أفسدته .
والثاني : أن لا ضمان عليه .
والثالث : أن الضمان على أرباب البهائم بالليل ، ولا ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار .
والرابع : وجوب الضمان في غير المنفلت ولا ضمان في المنفلت .
وممن قال : يضمن بالليل ولا يضمن بالنهار مالك ، وبأن لا ضمان عليهم أصلا قال والشافعي أبو حنيفة وأصحابه ، وبالضمان بإطلاق قال الليث ، إلا أن الليث قال : لا يضمن أكثر من قيمة الماشية ، والقول الرابع مروي عن عمر - رضي الله عنه - .
فعمدة مالك في هذا الباب شيئان : أحدهما : قوله تعالى : ( والشافعي وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ) والنفش عند أهل اللغة لا يكون إلا بالليل ، وهذا الاحتجاج على مذهب من يرى أنا مخاطبون بشرع من قبلنا .
والثاني : مرسله عن " ابن شهاب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن على أهل الحوائط بالنهار حفظها ، وأن ما أفسدته المواشي بالليل ضامن على أهلها للبراء بن عازب " أي مضمون . أن ناقة
وعمدة أبي حنيفة قوله - عليه الصلاة والسلام - : " " وقال العجماء جرحها جبار : وتحقيق مذهب الطحاوي أبي حنيفة أنه لا يضمن إذا أرسلها محفوظة ، فأما إذا لم يرسلها محفوظة فيضمن .
والمالكية تقول : من شرط قولنا أن تكون الغنم في المسرح ، وأما إذا كانت في أرض مزرعة لا مسرح فيها فهم يضمنون ليلا ونهارا .
وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليلا ونهارا شهادة الأصول له ، وذلك أنه تعد من المرسل ، والأصول على أن على المتعدي الضمان .
[ ص: 659 ] ووجه من فرق بين المنفلت وغير المنفلت بين ، فإن المنفلت لا يملك .
فسبب الخلاف في هذا الباب معارضة الأصل للسمع ، ومعارضة السماع بعضه لبعض ، أعني : أن الأصل يعارض " جرح العجماء جبار " ، ويعارض أيضا التفرقة التي في حديث البراء ، وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله " " . جرح العجماء جبار
ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختلافهم في ، فروي عن حكم ما يصاب من أعضاء الحيوان أنه قضى في عين الدابة بربع ثمنها ، وكتب إلى عمر بن الخطاب شريح فأمره بذلك ، وبه قال الكوفيون ، وقضى به ، وقال عمر بن عبد العزيز الشافعي ومالك : يلزم فيما أصيب من البهيمة ما نقص في ثمنها قياسا على التعدي في الأموال .
والكوفيون اعتمدوا في ذلك على قول عمر - رضي الله عنه - وقالوا : إذا قال الصاحب قولا ولا مخالف له من الصحابة وقوله مع هذا مخالف للقياس وجب العمل به ; لأنه يعلم أنه إنما صار إلى القول به من جهة التوقيف .
فسبب الخلاف إذا معارضة القياس لقول الصاحب .
ومن هذا الباب اختلافهم في فقال الجمل الصئول وما أشبهه يخاف الرجل على نفسه فيقتله ، هل يجب عليه غرمه أم لا ؟ مالك : لا غرم عليه إذا بان أنه خافه على نفسه ، وقال والشافعي أبو حنيفة : يضمن قيمته على كل حال . والثوري
وعمدة من لم ير الضمان القياس على من قصد رجلا فأراد قتله ، فدافع المقصود عن نفسه فقتل في المدافعة القاصد المتعدي أنه ليس عليه قود ، وإذا كان ذلك في النفس كان في المال أحرى ; لأن النفس أعظم حرمة من المال ، وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد الحرمي إذا صال وتمسك به حذاق أصحاب . الشافعي
وعمدة أبي حنيفة أن الأموال تضمن بالضرورة إليها ، أصله المضطر إلى طعام الغير ولا حرمة للبعير من جهة ما هو ذو نفس .
ومن هذا الباب اختلافهم في ، هل على مكرهها مع الحد صداق أم لا ؟ فقال المكرهة على الزنى مالك والشافعي والليث : عليه الصداق والحد جميعا ، وقال أبو حنيفة : عليه الحد ولا صداق عليه ، وهو قول والثوري ابن شبرمة .
وعمدة مالك أنه وجب عليه حقان : حق لله وحق للآدمي ، فلم يسقط أحدهما الآخر ، أصله السرقة التي يجب بها عندهم غرم المال والقطع .
وأما من لم يوجب الصداق ، فتعلق في ذلك بمعنيين :
أحدهما : أنه إذا اجتمع حقان : حق لله وحق للمخلوق سقط حق المخلوق لحق الله ، وهذا على رأي الكوفيين في أنه لا يجمع على السارق غرم وقطع .
والمعنى الثاني : أن الصداق ليس مقابل البضع ، وإنما هو عبادة إذ كان النكاح شرعيا ، وإذا كان ذلك كذلك فلا صداق في النكاح الذي على غير الشرع .
[ ص: 660 ] ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب من ، فقال غصب أسطوانة فبنى عليها بناء يساوي قائما أضعاف قيمة الأسطوانة مالك : يحكم على الغاصب بالهدم ويأخذ المغصوب منه أسطوانته ، وقال والشافعي أبو حنيفة : تفوت بالقيمة كقول مالك فيمن غير المغصوب بصناعة لها قيمة كثيرة ، وعند لا يفوت المغصوب بشيء من الزيادة . وهنا انقضى هذا الكتاب . الشافعي