القول في الأحكام
ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب جواز ( وهو الرجوع فيها ) : فذهب الاعتصار في الهبة مالك وجمهور علماء المدينة أن للأب أن يعتصر ما وهبه لابنه ما لم يتزوج الابن ، أو لم يستحدث دينا أو بالجملة ما لم يترتب عليه حق الغير ، وأن للأم أيضا أن تعتصر ما وهبت إن كان الأب حيا ، وقد روي عن مالك أنها لا تعتصر ، وقال أحمد وأهل الظاهر : لا يجوز لأحد أن يعتصر ما وهبه; وقال أبو حنيفة : يجوز لكل أحد أن يعتصر ما وهبه إلا ما وهب لذي رحم محرمة عليه . وأجمعوا على أن الهبة التي يراد بها الصدقة ( أي : وجه الله ) أنه لا يجوز لأحد الرجوع فيها .
وسبب الخلاف في هذا الباب تعارض الآثار .
فمن لم ير الاعتصار أصلا : احتج بعموم الحديث الثابت ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : " " . العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
ومن استثنى الأبوين احتج بحديث أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " طاوس " ، وقاس الأم على الوالد ، وقال لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد : لو اتصل حديث الشافعي لقلت به ، وقال غيره : قد اتصل من طريق طاوس ، وهو ثقة . حسين المعلم
وأما من أجاز الاعتصار إلا لذوي الرحم المحرمة ، فاحتج بما رواه مالك عن رضي الله عنه - أنه قال : من وهب هبة لصلة رحم أو على جهة صدقة فإنه لا يرجع فيها ، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب بها فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها . وقالوا : وأيضا فإن الأصل أن من وهب شيئا عن غير عوض أنه لا يقضي عليه به كما لو وعد ، إلا ما اتفقوا عليه من الهبة على وجه الصدقة . عمر بن الخطاب -
وجمهور العلماء على أن من تصدق على ابنه فمات الابن بعد أن حازها فإنه يرثها . وفي مرسلات مالك أن رجلا أنصاريا من الخزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث ابنهما المال وهو نخل ، فسأل عن ذلك النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال : " قد أجرت في صدقتك وخذها بميراثك " وخرج أبو داود عن عن أبيه عن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : " عبد الله بن بريدة " . كنت قد تصدقت على أمي بوليدة ، وإنها ماتت وتركت لي تلك الوليدة ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : وجب أجرك ورجعت إليك بالميراث
وقال أهل الظاهر : لا يجوز الاعتصار لأحد لعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - لعمر : " " والحديث متفق على صحته . لا تشتره ، في الفرس الذي تصدق به ، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
قال القاضي : والرجوع في الهبة ليس من محاسن الأخلاق ، والشارع - عليه الصلاة والسلام - إنما بعث ليتمم محاسن الأخلاق . وهذا القدر كاف في هذا الباب .