كتاب الطهارة من النجس .  
والقول المحيط بأصول هذه الطهارة وقواعدها ينحصر في ستة أبواب .  
الباب الأول : في معرفة حكم هذه الطهارة : ( أعني : في الوجوب أو في الندب إما مطلقا وإما من جهة أنها مشترطة في الصلاة ) الباب الثاني : في معرفة أنواع النجاسات .  
الباب الثالث : في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها .  
الباب الرابع : في معرفة الشيء الذي تزال به .  
الباب الخامس : في صفة إزالتها في محل محل .  
الباب السادس : في آداب الإحداث .  
 [ ص: 66 ] الباب الأول  
في معرفة حكم هذه الطهارة .  
والأصل في هذا الباب ، أما من الكتاب ، فقوله تعالى : (  وثيابك فطهر      ) وأما من السنة ، فآثار كثيرة ثابتة ، منها قوله - عليه الصلاة والسلام - : "  من توضأ فليستنثر  ،  ومن استجمر فليوتر     " ومنها "  أمره - صلى الله عليه وسلم - بغسل دم الحيض من الثوب  ،  وأمره بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي     " وقوله - عليه الصلاة والسلام - : في صاحبي القبر "  إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول     " واتفق العلماء لمكان هذه المسموعات على أن  إزالة النجاسة مأمور بها في الشرع   واختلفوا : هل ذلك على الوجوب أو على الندب المذكور ، وهو الذي يعبر عنه بالسنة ؟ فقال قوم : إن إزالة النجاسات واجبة ، وبه قال  أبو حنيفة   والشافعي  ، وقال قوم : إزالتها سنة مؤكدة وليست بفرض . وقال قوم : هي فرض مع الذكر ، ساقطة مع النسيان ، وكلا هذين القولين عن  مالك  وأصحابه .  
وسبب اختلافهم في هذه المسألة راجع إلى ثلاثة أشياء : أحدها : اختلافهم في قوله - تبارك وتعالى - : (  وثيابك فطهر      ) هل ذلك محمول على الحقيقة أو محمول على المجاز ؟ . والسبب الثاني : تعارض ظواهر الآثار في وجوب ذلك ، والسبب الثالث : اختلافهم في الأمر والنهي الوارد لعلة معقولة المعنى ، هل تلك العلة المفهومة من ذلك الأمر أو النهي ، قرينة تنقل الأمر من الوجوب إلى الندب ، والنهي من الحظر إلى الكراهة ؟ أم ليست قرينة ؟ وأنه لا فرق في ذلك بين العبادة المعقولة وغير المعقولة ، وإنما صار من صار إلى الفرق في ذلك ; لأن الأحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي من باب محاسن الأخلاق أو من باب المصالح ، وهذه في الأكثر هي مندوب إليها ، فمن حمل قوله تعالى (  وثيابك فطهر      ) على الثياب المحسوسة قال : الطهارة من النجاسة واجبة ، ومن حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيها حجة .  
وأما الآثار المتعارضة في ذلك ، فمنها حديث صاحبي القبر المشهور ، وقوله فيهما - صلى الله عليه وسلم - :  " إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير : أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله     " فظاهر هذا الحديث يقتضي الوجوب ; لأن العذاب لا يتعلق إلا بالواجب ، وأما المعارض لذلك فما ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - من أنه رمي عليه وهو في الصلاة سلا جزور بالدم والفرث فلم يقطع الصلاة .  
وظاهر هذا أنه لو كانت إزالة النجاسة واجبة كوجوب الطهارة من الحدث لقطع الصلاة ، ومنها ما روي "  أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان في صلاة من الصلوات يصلي في نعليه ، فطرح نعليه ، فطرح الناس لطرحه نعليه ، فأنكر ذلك عليهم - عليه الصلاة والسلام - وقال : " إنما خلعتها ; لأن  جبريل   أخبرني أن فيها قذرا     " فظاهر هذا أنه لو كانت واجبة لما بنى على ما مضى من الصلاة .  
 [ ص: 67 ] فمن ذهب في هذه الآثار مذهب ترجيح الظواهر قال إما بالوجوب إن رجح ظاهر حديث الوجوب ، أو بالندب إن رجح ظاهر حديث الندب ( أعني الحديثين اللذين يقضيان أن إزالتها من باب الندب المؤكد ) . ومن ذهب مذهب الجمع ، فمنهم من قال هي فرض مع الذكر والقدرة ، ساقطة مع النسيان وعدم القدرة .  
ومنهم من قال هي فرض مطلقا وليست من شروط صحة الصلاة وهو قول رابع في المسألة وهو ضعيف ; لأن النجاسة إنما تزال في الصلاة ، وكذلك من فرق بين العبادة المعقولة المعنى والغير معقولته ( أعني : أنه جعل الغير معقولة آكد في باب الوجوب ) فرق بين الأمر الوارد في الطهارة من الحدث ، وبين الأمر الوارد في الطهارة من النجس ; لأن الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة ، وذلك من محاسن الأخلاق .  
وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى مع ما اقترن بذلك من صلاتهم في النعال مع أنها لا تنفك من أن يوطأ بها النجاسات غالبا ، وما أجمعوا عليه من العفو عن اليسير في بعض النجاسات .  
				
						
						
