القول في الواجب
وأما الواجب في هذه الجناية إذا وجدت بالصفات التي ذكرنا ( أعني : الموجودة في السارق وفي الشيء المسروق وفي صفة السرقة ) ، فإنهم اتفقوا على أن الواجب فيه القطع من حيث هي جناية ، والغرم إذا لم يجب القطع .
واختلفوا هل ؟ فقال قوم : عليه الغرم مع القطع ، وبه قال يجمع الغرم مع القطع ، الشافعي وأحمد ، والليث ، ، وجماعة ، وقال قوم : ليس عليه غرم إذا لم يجد المسروق منه متاعه بعينه ، وممن قال بهذا القول وأبو ثور أبو حنيفة ، ، والثوري وجماعة ، وفرق وابن أبي ليلى مالك وأصحابه ، فقال : إن كان موسرا أتبع السارق بقيمة المسروق ، وإن كان معسرا لم يتبع به إذا أثرى ، واشترط مالك دوام اليسر إلى يوم القطع فيما حكى عنه ابن القاسم .
فعمدة من جمع بين الأمرين أنه اجتمع في السرقة حقان : حق لله ، وحق للآدمي ، فاقتضى كل حق موجبه ، وأيضا فإنهم لما أجمعوا على أخذه منه إذا وجد بعينه لزم إذا لم يوجد بعينه عنده أن يكون في ضمانه قياسا على سائر الأموال الواجبة .
وعمدة الكوفيين حديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " عبد الرحمن بن عوف " ، وهذا الحديث مضعف عند أهل الحديث . قال لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد أبو عمر : لأنه عندهم مقطوع ، قال : وقد وصله بعضهم ، وخرجه . والكوفيون يقولون : إن اجتماع حقين في حق واحد مخالف للأصول ، ويقولون إن القطع هو بدل من الغرم ، ومن هنا يرون أنه إذا سرق شيئا ما فقطع فيه ثم سرقه ثانيا أنه لا يقطع فيه . وأما تفرقة النسائي مالك فاستحسان على غير قياس .
[ ص: 762 ] وأما القطع فالنظر في محله وفيمن سرق وقد عدم المحل .
أما فهو اليد اليمنى باتفاق من الكوع ، وهو الذي عليه الجمهور ، وقال قوم : الأصابع فقط . فأما إذا سرق من قد قطعت يده اليمنى في السرقة ، فإنهم اختلفوا في ذلك فقال أهل محل القطع الحجاز والعراق : تقطع رجله اليسرى بعد اليد اليمنى ، وقال بعض أهل الظاهر وبعض التابعين : تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى ، ولا يقطع منه غير ذلك .
واختلف مالك ، ، والشافعي وأبو حنيفة بعد اتفاقهم على قطع الرجل اليسرى بعد اليد اليمنى ، هل يقف القطع إن سرق ثالثة أم لا ؟ فقال سفيان وأبو حنيفة : يقف القطع في الرجل ، وإنما عليه في الثالثة الغرم فقط ، وقال مالك : إن سرق ثالثة قطعت يده اليسرى ، ثم إن سرق رابعة قطعت رجله اليمنى ، وكلا القولين مروي عن والشافعي عمر ، وأبي بكر ( أعني : قول مالك وأبي حنيفة ) .
فعمدة من لم ير إلا قطع اليد قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ولم يذكر الأرجل إلا في المحاربين فقط .
وعمدة من قطع الرجل بعد اليد ما روي : " ، وفيه " ثم أخذه الخامسة فقتله جابر بن عبد الله " ، إلا أنه منكر عند أهل الحديث ، ويرده قوله - عليه الصلاة والسلام - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بعبد سرق فقطع يده اليمنى ، ثم الثانية فقطع رجله ، ثم أتى به في الثالثة فقطع يده اليسرى ، ثم أتي به في الرابعة فقطع رجله " ، وروي هذا من حديث " ، ولم يذكر قتلا . وحديث هن فواحش وفيهن عقوبة : " ابن عباس أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قطع الرجل بعد اليد " ، وعند مالك أنه يؤدب في الخامسة .
فإذا ذهب محل القطع من غير سرقة بأن كانت اليد شلاء ، فقيل في المذهب : ينتقل القطع إلى اليد اليسرى ، وقيل : إلى الرجل .
واختلف في ، فقيل : يقطع من المفصل الذي في أصل الساق ، وقيل : يدخل الكعبان في القطع ، وقيل : لا يدخلان ، وقيل : إنها تقطع من المفصل الذي في وسط القدم . موضع القطع من القدم
واتفقوا على أن ما لم يرفع ذلك إلى الإمام لما روي عن لصاحب السرقة أن يعفو عن السارق عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " عمرو بن شعيب " ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " تعافوا الحدود بينكم فما بلغني من حد فقد وجب لأقمت عليها الحد فاطمة بنت محمد " ، وقوله لو كانت لصفوان : " " . هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به ؟
واختلفوا في ، أو يهبه له بعد الرفع وقبل القطع ، فقال السارق يسرق ما يجب فيه القطع فيرفع إلى الإمام وقد وهبه صاحب السرقة ما سرقه مالك ، : عليه الحد; لأنه قد رفع إلى الإمام ، وقال والشافعي أبو حنيفة وطائفة : لا حد عليه .
فعمدة الجمهور حديث مالك عن عن ابن شهاب صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه قيل له : " إلى صفوان بن أمية المدينة ، فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه ، فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع يده ، فقال صفوان : لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فهلا قبل أن تأتيني به " . إن من لم يهاجر هلك ، فقدم