الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في النهي عن الخصومات في الدين ومجانبة أهل الخصومات  

أخبرنا أحمد بن عبد الغفار بن أشته ، أنا أبو منصور معمر ، نا عبد الله بن محمد بن جعفر ، نا ابن الطهراني ، نا أحمد بن سنان ، نا ابن مهدي قال: سمعت سفيان الثوري قال: " كان يقال: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل.   " قال: وأنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، نا محمد بن عباس ، نا محمد بن المثنى ، نا حماد بن مسعدة ، عن عمران بن مسلم قال: كان الحسن يقول: " إياكم والمنازعة، إياكم والخصومة، يعني في الدين.   " وقال في غير هذا الحديث: عن الحسن أنه قال لرجل: " إنما يخاصم [ ص: 281 ] الشاك في دينه، وأنا قد أبصرت ديني، فإن كنت من دينك في شك فاذهب والتمسه.

قال: وحدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يعقوب ، نا أحمد بن منصور زاج ، نا أبو وهب محمد بن مزاحم قال: سمعت أخي سهل بن مزاحم يقول: مثل الذي ينازع في الدين مثل الذي يصعد على الشرف، إن سقط هلك، وإن نجا لم يحمد.

قال: وحدثنا عبد الله بن أحمد بن أسيد ، نا أبو بكر الأثرم ، نا عيسى بن مينا المديني ، نا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال: " إن السنن لا تخاصم، ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فعل الناس ذلك لم يمض يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تلزم، ويتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه، ولعمري إن السنن لتأتي كثيرا على خلاف الرأي [ ص: 282 ] ومجانبته خلافا بعيدا؛ فما يجد المسلمون بدا من اتباعها، والانقياد لها. ولمثل ذلك ورع أهل العلم والدين فكفاهم عن الرأي، ودلهم على غوره وعورته أنه يأتي الحق على خلافه في وجوه غير واحدة، من ذلك: أن قطع أصابع اليد مثل قطع اليد من المنكب أي ذلك أصيب ففيه ستة آلاف. ومن ذلك أن قطع (أصابع) الرجل في قلة ضررها مثل قطع الرجل من الورك أي ذلك أصيب ففيه ستة آلاف، ومن ذلك: أن في العينين إذا فقئتا مثل ما في قطع أشراف الأذنين في قلة ضررها أي ذلك أصيب ففيه اثنا عشر ألفا، ومن ذلك أن في شجتين موضحتين صغيرتين مائة دينار، وما بينهما صحيح، فإن جرح ما بينهما حتى يفضي أحدهما إلى الآخر كان أعظم للجرح بكثير، ولم يكن فيهما إلا خمسون دينارا .

ومن ذلك أن المرأة تقضي الصيام، ولا تقضي الصلاة، ومن ذلك: رجلان قطعت أذن أحدهما جميعا يكون له اثنا عشر ألفا، وقتل الآخر فذهبت أذناه وعيناه ويداه ورجلاه، وذهبت نفسه ليس له إلا اثنا عشر ألفا، مثل (ما) للذي لم يصب إلا أشراف الأذنين في أشباه هذا غير واحدة. فهل وجد المسلمون بدا من لزوم هذا وأشباهه مما أحكمته السنة والتمسك به والتسليم له، وأي هذه الوجوه يستقيم على الرأي، أو يخرج في التفكرة، ولكن السنن من الإسلام بحيث جعلها الله هي ملاك الدين وقيامه الذي بني عليه الإسلام، وأي قول أجسم وأعظم خطرا مما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع حين خطب الناس فقال:

[ ص: 283 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية