الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
193 - فقال -صلى الله عليه وسلم-: " والذي نفسي بيده لو باهلوا لأضرم الله عليهم الوادي نارا   ".

ومن هذا الباب قوله -عز وجل-: إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة، وهذه بشارة بفتح مكة ، وعلو الكلمة، وظهور الدعوة، فأتاح الله هذا الفتح لرسوله -صلى الله عليه وسلم- كما وعده، ودخل هو وأصحابه مكة ، وأظهر الله دعوته في أقطار الأرض، وتتابع الناس في الدخول في دينه أفواجا،  وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

ومنه قوله -عز وجل- في أبي لهب : سيصلى نارا ذات لهب فأخبر عن عاقبة أمره، فكان كما قال، ومات كافرا.  وقوله -عز وجل-: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ففعل الله ذلك، وفرق جمعهم، وألقى عليهم الرعب، وصدق وعده، ونصر عبده. وقال: [ ص: 354 ] ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه . وهذا القول يدل دلالة بينة على الوعد بالظفر قبل وقوعه، وإلا فلا معنى لأن يقال عند الظفر: قد صدقتكم الوعد بالظفر، وهو لم يكن قد وعدهم ذلك.

ومنه قوله: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية. وهذا وعد لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنصر والتمكين، فأنجزه الله، وأحسن فيه الصنع، وله الحمد. وقوله سبحانه: سبحان الذي أسرى بعبده الآية. والوصول في ليلة واحدة من مكة إلى مسجد بيت المقدس من المعجزات، وقد أخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيحة تلك الليلة بما شاهده من الآيات والعلامات التي في مسجد بيت المقدس من غير أن كان قد شاهدها قبل ذلك قط، وأخبرهم بما شاهد في سفره ذلك من الأمور التي ظهر لهم صدقه فيها، منها ما أخبر به أنه أتى على ماء كذا، فإذا عير بني فلان قد أضلوا بعيرا لهم وهم يطلبونه، وأنه انتهى إلى عير بني فلان وهم نيام، فوجد لهم إناء مغطى فشرب منه، وأن عير بني فلان تطلع عليكم من الثنية يقدمها جمل أورق، فوجدوا الأمر في ذلك كله كما قال. وقد دل الله بهذه الآيات على مغيب الأمور، وأظهر الحجة فيها لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.

[ ص: 355 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية