فصل
قال بعض علماء أهل السنة أما بعد فإني وما انطوت عليه ضمائرهم في معاني السنن ليقتدي بهم المقتفي، وذلك حين فشت البدع في البلدان وكثرت دواعيها في الزمان، فحينئذ وقع الاضطرار إلى الكشف والبيان ليهتدي بها المسترشد في الخلف كما فاز لها من مضى من السلف نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين، وأن يعصمنا من اختراع المبتدعين، وأنا أذكر بتوفيق الله تعالى جماعة من أئمتنا من السلف ممن شرعوا في هذه المعاني فمنهم وجدت جماعة من مشايخ السلف وكثيرا ممن تبعهم من الخلف من عليهم المعتمد في أبواب الديانة، وبهم القدوة في استعمال السنة قد أظهروا اعتقادهم، أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري فإنه قد أظهر اعتقاده، ومذهبه في السنة في غير موضع، وقد أملاه على شعيب بن حرب.
[ ص: 474 ] ومنهم أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي فإنه قد أجاب في اعتقاده حين سئل عنه كما رواه ، ومنهم محمد بن إسحاق الثقفي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام فإنه قد أظهر اعتقاده في زمانه، ورواه ابن إسحاق الفزاري. ومنهم أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن المبارك إمام خراسان، والفضيل بن عياض ، ، ووكيع بن الجراح ، قد أظهروا اعتقادهم، ومذاهبهم بالسنن، ومنهم ويوسف بن أسباط ، شريك بن عبد الله النخعي ، ويحيى بن سعيد القطان وأبو إسحاق الفزاري ، ومنهم أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي المديني إمام دار الهجرة وفقيه الحرمين فإنه قد أظهر اعتقاده في باب الإيمان والقرآن، ومنهم أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي سيد الفقهاء في زمانه، ومنهم ، أبو عبيد القاسم بن سلام ، والنضر بن شميل وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي من تلاميذ أظهر اعتقاده حين ظهرت المحنة في باب القرآن، ومنهم الشافعي سيد أهل الحديث في زمانه، وأفضل من تورع في عصره، وأوانه قد أظهر اعتقاده ودعا الناس إليه وثبت في المحنة، وبالغ فيه غاية المبالغة، ومنهم الشيخ الزاهد الفاضل أبو عبد الله أحمد بن [ ص: 475 ] حنبل زهير بن نعيم البابي السجستاني ، له اعتقاد في رسالة كتبها إلى بعض إخوانه ومنهم أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي الفقيه له اعتقاد، ومنهم أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي البغلاني له اعتقاد رواه عنه ، ومنهم أبو العباس السراج الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي له اعتقاد رواه عنه أحمد بن موسى البصري ، ومنهم محمد بن عكاشة الكرماني ، ومنهم أحمد بن محمد بن غالب المعروف بغلام الخليل صاحب ، ومنهم أحمد بن حنبل الحسن بن [ ص: 476 ] محمد بن الحارث له سؤالات سأل عنها مشايخ الآفاق فأجابوه باعتقادهم في الإيمان حدث به مشايخ سجستان، ومنهم أحمد بن نصر المقرئ النيسابوري كان أحد علماء .خراسان وعبادها، رحل عن خراسان حين نبغت نابغة الكرامية وله سؤالات سألها عن مشايخ الآفاق حدث به أبو بكر بن خزيمة عنه، اعتقاد، ولأبي بكر بن خزيمة ولعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، ولأبي الفضل محمد بن أبي الحسين جاوز أبي سعيد الهروي حافظ خراسان، وعالمها في زمانه، وكان أبو أحمد بن أبي أسامة القرشي الهروي من أفاضل خراسان من العلماء والفقهاء أملى اعتقادا له قال: وينبغي لمن من الله بعلم الهداية والكرامة بالسنة ممن بقي من الخلف القدوة ممن مضى من السلف، وأن مذهبنا ومذهب أئمتنا من أهل الأثر: أن نقول إن الله عز وجل أحد لا شريك له، ولا ضد له ولا ند ولا شبيه له، إلها واحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يشرك في حكمه أحدا
[ ص: 477 ] قال: ونؤمن بصفاته أنه كما وصف نفسه في كتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ونؤمن بما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفاته جل جلاله بنقل العدول، والأسانيد المتصلة التي اجتمع عليها أهل المعرفة بالنقل أنها صحيحة ثابتة عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ونطلقها بألفاظها كما أطلقها، وتعتقد عليها ضمائرنا بصدق وإخلاص أنها كما قال - صلى الله عليه وسلم - ولا نكيف صفات الله عز وجل، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه، ولا نضرب لها الأمثال، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقا، ونطلق ألفاظها تصريحا كما قال الله عز وجل في كتابه، وكما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونقول: إن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة، وليس من كلامه وعلمه وصفاته شيء مخلوق، جل الله تعالى عن صفات المخلوقين. والكيف عن صفات الله مرفوع.
ونقول: كما قال السلف من أهل وغيره: على الله البيان وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم، ونؤدي أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سمعنا، ولا نقول في صفات الله كما قالت الزهري الجهمية والمعطلة، بل نثبت صفات الله تعالى بإيمان وتصديق.
قال أقروا أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمروها كما جاءت. الأوزاعي:
وقال إني لآخذ الحديث على ثلاثة أوجه: آخذ الحديث على وجه أتخذه دينا، ومن وجه آخر لا أتركه وأتحرج أن أتخذه دينا، أو فقها وآخذه من وجه لا أتخذه دينا، وإنما آخذه لأعرفه. سفيان الثوري: