الباب الثاني
في القضاء
- والكلام في هذا الباب : على من يجب القضاء ، وفي صفة أنواع القضاء ، وفي شروطه .
[ ص: 154 ] [ على من يجب القضاء ]
فأما ؟ فاتفق المسلمون على أنه يجب على الناسي والنائم ، واختلفوا في العامد والمغمى عليه ، وإنما اتفق المسلمون على وجوب القضاء على الناسي والنائم لثبوت قوله - عليه الصلاة والسلام - وفعله : ( وأعني بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " على من يجب القضاء وقوله " رفع القلم عن ثلاث " فذكر النائم " ) وما روي إذا نام أحدكم عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها . ) وأما تاركها عمدا حتى يخرج الوقت ، فإن الجمهور على أنه آثم ، وأن القضاء عليه واجب ، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه لا يقضي وأنه آثم ، وأحد من ذهب إلى ذلك أنه نام عن الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها . أبو محمد بن حزم
وسبب اختلافهم : اختلافهم في شيئين : أحدهما : في جواز القياس في الشرع . والثاني : في قياس العامد على الناسي إذا سلم جواز القياس . فمن رأى أنه إذا وجب القضاء على الناسي الذي قد عذره الشرع في أشياء كثيرة ، فالمتعمد أحرى أن يجب عليه ; لأنه غير معذور - أوجب القضاء عليه ، ومن رأى أن الناسي والعامد ضدان والأضداد لا يقاس بعضها على بعض إذ أحكامها مختلفة ، وإنما تقاس الأشباه ، لم يجز قياس العامد على الناسي ، والحق في هذا أنه إذا جعل الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغا . وأما إن جعل من باب الرفق بالناسي والعذر له وأن لا يفوته ذلك الخير ، فالعامد في هذا ضد الناسي ، والقياس غير سائغ ; لأن الناسي معذور والعامد غير معذور ، والأصل أن القضاء لا يجب بأمر الأداء ، وإنما يجب بأمر مجدد على ما قال المتكلمون ؛ لأن القاضي قد فاته أحد شروط التمكن من وقوع الفعل على صحته ، ( وهو الوقت ) إذ كان شرطا من شروط الصحة ، والتأخير عن الوقت في قياس التقديم عليه ، لكن قد ورد الأثر بالناسي والنائم وتردد العامد بين أن يكون شبيها أو غير شبيه ، والله الموفق للحق ، وأما المغمى عليه ، فإن قوما أسقطوا عنه القضاء فيما ذهب وقته ، وقوم أوجبوا عليه القضاء ، ومن هؤلاء من اشترط القضاء في عدد معلوم ، وقالوا : يقضي في الخمس فما دونها .
والسبب في اختلافهم : تردده بين النائم والمجنون ، فمن شبهه بالنائم أوجب عليه القضاء ، ومن شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب .