الباب الثامن  
في صلاة العيدين  
أجمع العلماء على استحسان  الغسل لصلاة العيدين   ، وأنهما بلا أذان ولا إقامة ، لثبوت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما أحدث من ذلك  معاوية  في أصح الأقاويل ، قاله  أبو عمر     .  
وكذلك أجمعوا على أن السنة فيها  تقديم الصلاة على الخطبة   لثبوت ذلك أيضا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلا ما روي عن   عثمان بن عفان  أنه  أخر الصلاة وقدم الخطبة لئلا يفترق الناس قبل الخطبة     .  
وأجمعوا أيضا على أنه لا توقيت في  القراءة في العيدين   ، وأكثرهم استحب أن يقرأ في الأولى بسبح ، وفي الثانية بالغاشية ، لتواتر ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستحب   الشافعي  القراءة فيهما بـ (  ق والقرآن المجيد      ) و (  اقتربت الساعة      ) لثبوت ذلك عنه - عليه الصلاة والسلام - .  
واختلفوا من ذلك في مسائل أشهرها : اختلافهم في التكبير : وذلك أنه حكى في ذلك   أبو بكر بن المنذر  نحوا من اثني عشر قولا ، إلا أنا نذكر من ذلك المشهور الذي يستند إلى صحابي أو سماع فنقول :  
ذهب  مالك  إلى أن التكبير في الأولى من ركعتي العيدين : سبع مع تكبيرة الإحرام قبل القراءة ، وفي الثانية : ست مع تكبيرة القيام من السجود .  
وقال   الشافعي     : في الأولى : ثمانية ، وفي الثانية : ست مع تكبيرة القيام من السجود .  
وقال  أبو حنيفة     : يكبر في الأولى : ثلاثا بعد تكبيرة الإحرام يرفع يديه فيها ، ثم يقرأ أم القرآن وسورة ،      [ ص: 182 ] ثم يكبر راكعا ولا يرفع يديه ، فإذا قام إلى الثانية وكبر ولم يرفع يديه وقرأ فاتحة الكتاب وسورة ، ثم كبر ثلاث تكبيرات يرفع فيها يديه ، ثم يكبر للركوع ولا يرفع فيها يديه .  
وقال قوم : فيها تسع في كل ركعة ، وهو مروي عن   ابن عباس   والمغيرة بن شعبة   وأنس بن مالك   وسعيد بن المسيب  ، وبه قال  النخعي     .  
وسبب اختلافهم : اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن الصحابة .  
فذهب  مالك     - رحمه الله - إلى ما رواه عن   ابن عمر  أنه قال :  شهدت الأضحى والفطر مع   أبي هريرة  ، فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ، في الآخرة خمسا قبل القراءة  ، ولأن العمل عنده  بالمدينة   كان على هذا ، وبهذا الأثر بعينه أخذ   الشافعي  ، إلا أنه تأول في السبع أنه ليس فيها تكبيرة الإحرام ، كما ليس في الخمس تكبيرة القيام ، ويشبه أن يكون  مالك  إنما أصاره أن يعد تكبيرة الإحرام في السبع ، ويعد تكبيرة القيام زائدا على الخمس المروية أن العمل ألفاه على ذلك ، فكأنه عنده وجه من الجمع بين الأثر والعمل ، وقد خرج  أبو داود  معنى حديث   أبي هريرة  مرفوعا عن  عائشة  وعن   عمرو بن العاص     . وروى أنه  سئل   أبو موسى الأشعري   وحذيفة بن اليمان     : كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في الأضحى والفطر ؟ فقال  أبو موسى     : " كان يكبر أربعا على الجنائز " فقال  حذيفة     : صدق ، فقال  أبو موسى     : كذلك كنت أكبر في  البصرة   حين كنت عليهم  ، وقال قوم بهذا .  
وأما  أبو حنيفة  وسائر الكوفيين فإنهم اعتمدوا في ذلك على   ابن مسعود  ، وذلك أنه ثبت عنه أنه كان يعلمهم صلاة العيدين على الصفة المتقدمة ، وإنما صار الجميع إلى الأخذ بأقاويل الصحابة في هذه المسألة ، لأنه لم يثبت فيها عن النبي - عليه الصلاة والسلام - شيء ، ومعلوم أن فعل الصحابة في ذلك هو توقيف ، إذ لا مدخل للقياس في ذلك .  
وكذلك اختلفوا في رفع اليدين عند كل تكبيرة : فمنهم من رأى ذلك وهو مذهب   الشافعي  ، ومنهم من لم ير الرفع إلا في الاستفتاح فقط ، ومنهم من خير .  
واختلفوا فيمن تجب عليه صلاة العيد - أعني : وجوب السنة - فقالت طائفة : يصليها الحاضر والمسافر ، وبه قال الشافعي   والحسن البصري  ، وكذلك قال   الشافعي     : إنه يصليها أهل البوادي ، ومن لا يجمع حتى المرأة في بيتها . وقال  أبو حنيفة  وأصحابه : إنما تجب صلاة الجمعة والعيدين على أهل الأمصار والمدائن . وروي عن  علي  أنه قال : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع . وروي عن   الزهري  أنه قال :  لا صلاة فطر ولا أضحى على مسافر     .  
والسبب في هذا الاختلاف : اختلافهم في قياسها على الجمعة ، فمن قاسها على الجمعة كان مذهبه فيها مذهبه في الجمعة ، ومن لم يقسها رأى أن الأصل وهو أن كل مكلف مخاطب بها حتى يثبت استثناؤه من الخطاب .  
قال القاضي : قد فرقت السنة بين الحكم للنساء في العيدين والجمعة ، وذلك أنه ثبت أنه - عليه الصلاة والسلام - أمر النساء بالخروج للعيدين ، ولم يأمر بذلك في الجمعة .  
 [ ص: 183 ] وكذلك اختلفوا في الموضع الذي يجب منه المجيء إليها كاختلافهم في صلاة الجمعة من الأميال إلى مسيرة اليوم التام .  
واتفقوا على أن وقتها من شروق الشمس إلى الزوال .  
واختلفوا فيمن لم يأتهم علم بأنه العيد إلا بعد الزوال ، فقالت طائفة : ليس عليهم أن يصلوا يومهم ولا من الغد ، وبه قال  مالك   والشافعي   وأبو ثور     . وقال آخرون : يخرجون إلى الصلاة في غداة ثاني العيد ، وبه قال   الأوزاعي  وأحمد  وإسحاق     . قال   أبو بكر بن المنذر     : وبه نقول لحديث رويناه عن النبي - عليه الصلاة والسلام - : "  أنه أمرهم أن يفطروا ، فإذا أصبحوا أن يعودوا إلى مصلاهم     " . قال القاضي : خرجه  أبو داود  ، إلا أنه عن صحابي مجهول ، ولكن الأصل فيهم - رضي الله عنهم - حملهم على العدالة .  
واختلفوا إذا  اجتمع في يوم واحد عيد وجمعة ، هل يجزئ العيد عن الجمعة ؟      .  
فقال قوم : يجزئ العيد عن الجمعة ، وليس عليه في ذلك اليوم إلا العصر فقط ، وبه قال  عطاء  ، وروي ذلك عن  ابن الزبير  وعلي     .  
وقال قوم : هذه رخصة لأهل البوادي الذين يردون الأمصار للعيد والجمعة خاصة ، كما روي عن  عثمان  أنه خطب في يوم عيد وجمعة فقال : ( من أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر ، ومن أحب أن يرجع فليرجع     ) رواه  مالك  في الموطإ ، وروى نحوه عن   عمر بن عبد العزيز  ، وبه قال   الشافعي     .  
وقال  مالك  وأبو حنيفة     : إذا اجتمع عيد وجمعة فالمكلف مخاطب بهما جميعا : العيد على أنه سنة ، والجمعة على أنها فرض ، ولا ينوب أحدهما عن الآخر ، وهذا هو الأصل إلا أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليه ، ومن تمسك بقول  عثمان  ، فلأنه رأى أن مثل ذلك ليس هو بالرأي ، وإنما هو توقيف ، وليس هو بخارج عن الأصول كل الخروج . وأما إسقاط فرض الظهر والجمعة التي هي بدله لمكان صلاة العيد فخارج عن الأصول جدا ، إلا أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليه .  
واختلفوا فيمن تفوته صلاة العيد مع الإمام : فقال قوم : يصلي أربعا ، وبه قال  أحمد   والثوري  ، وهو مروي عن   ابن مسعود     . وقال قوم :  بل يقضيها على صفة صلاة الإمام ركعتين يكبر فيهما نحو تكبيره ويجهر كجهره  ، وبه قال   الشافعي   وأبو ثور     . وقال قوم : بل ركعتين فقط لا يجهر فيهما ولا يكبر تكبيرة العيد . وقال قوم : وإن صلى الإمام في المصلى صلى ركعتين ، وإن صلى في غير المصلى صلى أربع ركعات . وقال قوم : لا قضاء عليه أصلا ، وهو قول  مالك  وأصحابه . وحكى  ابن المنذر  عنه مثل قول   الشافعي     .  
فمن قال أربعا شبهها بصلاة الجمعة وهو تشبيه ضعيف ، ومن قال ركعتين كما صلاهما الإمام فمصيرا إلى أن الأصل هو أن القضاء يجب أن يكون على صفة الأداء ، ومن منع القضاء فلأنه رأى أنها صلاة من شرطها الجماعة والإمام كالجمعة ، فلم يجب قضاؤها ركعتين ولا أربعا إذ ليست هي بدلا من شيء ، وهذان القولان هما اللذان يتردد فيهما النظر - أعني : قول   الشافعي  وقول  مالك     - ، وأما سائر الأقاويل في ذلك فضعيف لا معنى له ، لأن صلاة الجمعة بدل من الظهر ، وهذه ليست بدلا من شيء ، فكيف يجب أن تقاس إحداهما على الأخرى في القضاء ، وعلى الحقيقة فليس من فاتته الجمعة فصلاته للظهر قضاء بل هي أداء ، لأنه إذا فاته البدل وجبت هي . والله الموفق للصواب .      [ ص: 184 ] واختلفوا في  التنفل قبل صلاة العيد وبعدها      : فالجمهور على أنه لا يتنفل لا قبلها ولا بعدها ، وهو مروي عن   علي بن أبي طالب   وابن مسعود  وحذيفة  وجابر  ، وبه قال  أحمد     .  وقيل يتنفل قبلها وبعدها   ، وهو مذهب  أنس  وعروة  ، وبه قال   الشافعي     . وفيه قول ثالث : وهو أن  يتنفل بعدها   ولا يتنفل قبلها   ، وقال به   الثوري   والأوزاعي  وأبو حنيفة  ، وهو مروي أيضا عن   ابن مسعود     . وفرق قوم بين أن تكون الصلاة في المصلى أو في المسجد ، وهو مشهور مذهب  مالك     .  
وسبب اختلافهم : أنه ثبت :    " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم فطر أو يوم أضحى فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما     " وقال - عليه الصلاة والسلام - : "  إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين     " . وترددها أيضا من حيث هي مشروعة بين أن يكون حكمها في استحباب التنفل قبلها وبعدها حكم المكتوبة أو لا يكون ذلك حكمها ؟  
فمن رأى أن تركه الصلاة قبلها وبعدها هو من باب ترك الصلاة قبل السنن وبعدها ، ولم ينطلق اسم المسجد عنده على المصلى لم يستحب تنفلا قبلها ولا بعدها ، ولذلك تردد المذهب في الصلاة قبلها إذا صليت في المسجد ، لكون دليل الفعل معارضا في ذلك القول - أعني : أنه من حيث هو داخل في مسجد يستحب له الركوع ، ومن حيث هو مصل صلاة العيد يستحب له أن لا يركع تشبها بفعله - عليه الصلاة والسلام - .  
ومن رأى أن ذلك من باب الرخصة ، ورأى أن اسم المسجد ينطلق على المصلى ندب إلى التنفل قبلها .  
ومن شبهها بالصلاة المفروضة استحب التنفل قبلها وبعدها كما قلنا .  
ورأى قوم أن التنفل قبلها وبعدها من باب المباح الجائز لا من باب المندوب ولا من باب المكروه ، وهو أقل اشتباها إن لم يتناول اسم المسجد المصلى .  
واختلفوا في  وقت التكبير في عيد الفطر   بعد أن أجمع على استحبابه الجمهور لقوله تعالى : (  ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم      ) فقال جمهور العلماء : يكبر عند الغدو إلى الصلاة ، وهو مذهب   ابن عمر  وجماعة من الصحابة والتابعين ، وبه قال  مالك  وأحمد  وإسحاق   وأبو ثور     . وقال قوم : يكبر من ليلة الفطر إذا رأوا الهلال حتى يغدو إلى المصلى ، وحتى يخرج الإمام ، وكذلك في ليلة الأضحى عندهم إن لم يكن حاجا . وروي عن   ابن عباس  إنكار التكبير جملة إلا إذا كبر الإمام     .  
واتفقوا أيضا على التكبير في أدبار الصلوات أيام الحج ، واختلفوا في توقيت ذلك اختلافا كثيرا : فقال قوم : يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ، وبه قال  سفيان  وأحمد   وأبو ثور     . وقيل يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وهو قول  مالك   والشافعي     . وقال   الزهري     : مضت السنة أن يكبر الإمام في الأمصار دبر صلاة الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق .  
وبالجملة فالخلاف في ذلك كثير ، حكى  ابن المنذر  فيها عشرة أقوال .  
وسبب اختلافهم في ذلك : هو أنه نقلت بالعمل ولم ينقل في ذلك قول محدود ، فلما اختلفت الصحابة في ذلك اختلف من بعدهم . والأصل في هذا الباب قوله تعالى : (  واذكروا الله في أيام معدودات      ) . فهذا      [ ص: 185 ] الخطاب وإن كان المقصود به أولا أهل الحج ، فإن الجمهور رأوا أنه يعم أهل الحج وغيرهم ، وتلقي ذلك بالعمل ، وإن كانوا اختلفوا في التوقيت في ذلك ، ولعل التوقيت في ذلك على التخيير ; لأنهم كلهم أجمعوا على التوقيت واختلفوا فيه . وقال قوم :  التكبير دبر الصلاة في هذه الأيام   إنما هو لمن صلى في جماعة .  
وكذلك اختلفوا في  صفة التكبير في هذه الأيام   ، فقال  مالك   والشافعي     : يكبر ثلاثا : ( الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ) . وقيل : يزيد بعد هذا : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ) . وروي عن   ابن عباس  أنه يقول : ( الله أكبر كبيرا ) ثلاث مرات ، ثم يقول الرابعة : ( ولله الحمد ) . وقالت جماعة : ليس فيه شيء مؤقت .  
والسبب في هذا الاختلاف : عدم التحديد في ذلك في الشرع ، مع فهمهم من الشرع في ذلك التوقيت - أعني : فهم الأكثر . وهذا هو السبب في اختلافهم في توقيت زمان التكبير - أعني : فهم التوقيت مع عدم النص في ذلك .  
وأجمعوا على أنه  يستحب أن يفطر في عيد الفطر قبل الغدو إلى المصلى   ، وأن  لا يفطر يوم الأضحى إلا بعد الانصراف من الصلاة   ، وأنه يستحب أن  يرجع من غير الطريق التي مشى عليها   لثبوت ذلك من فعله - عليه الصلاة والسلام .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					