[ الفصل الثاني ]  
[ عدد سجدات التلاوة ]  
وأما  عدد عزائم سجود القرآن      : فإن  مالكا  قال في الموطإ : الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ، ليس في المفصل منها شيء . وقال أصحابه :  
أولها : خاتمة الأعراف .  
وثانيها : في الرعد عند قوله تعالى : (  بالغدو والآصال      ) .  
وثالثها : في النحل عند قوله تعالى : (  ويفعلون ما يؤمرون      ) .  
ورابعها : في بني إسرائيل عند قوله تعالى : (  ويزيدهم خشوعا      ) .  
وخامسها : في مريم عند قوله تعالى : (  خروا سجدا وبكيا      ) .  
وسادسها : الأولى من الحج عند قوله تعالى : (  إن الله يفعل ما يشاء      ) .  
وسابعها : في الفرقان عند قوله تعالى : (  وزادهم نفورا      ) .  
وثامنها : في النمل عند قوله تعالى : (  رب العرش العظيم      ) .  
وتاسعها : في (  الم تنزيل      ) عند قوله تعالى : (  وهم لا يستكبرون      ) .  
وعاشرها : في (  ص      ) عند قوله تعالى : (  وخر راكعا وأناب      ) .  
والحادية عشرة : في (  حم   تنزيل      ) عند قوله تعالى : (  إن كنتم إياه تعبدون      ) وقيل : عند قوله : (  وهم لا يسأمون      ) .  
 [ ص: 187 ] وقال   الشافعي     : أربع عشرة سجدة : ثلاث منها في المفصل : في الانشقاق ، وفي النجم ، وفي (  اقرأ باسم ربك      ) . ولم ير في (  ص      ) سجدة لأنها عنده من باب الشكر .  
وقال  أحمد     : هي خمسة عشرة سجدة ، أثبت فيها الثانية من الحج ، وسجدة (  ص      ) .  
وقال  أبو حنيفة     : هي اثنتا عشرة سجدة ، قال الطحاوي : وهي كل سجدة جاءت بلفظ الخبر .  
والسبب في اختلافهم : اختلافهم في المذاهب التي اعتمدوها في تصحيح عددها ، وذلك أن منهم من اعتمد عمل  أهل  المدينة    ، ومنهم من اعتمد القياس ، ومنهم من اعتمد السماع .  
أما الذين اعتمدوا العمل  فمالك  وأصحابه .  
وأما الذين اعتمدوا القياس  فأبو حنيفة  وأصحابه ، وذلك أنهم قالوا : وجدنا السجدات التي أجمع عليها جاءت بصيغة الخبر ، وهي : سجدة الأعراف والنحل والرعد والإسراء ومريم وأول الحج والفرقان والنمل والم تنزيل ، فوجب أن تلحق بها سائر السجدات التي جاءت بصيغة الخبر ، وهي التي في (  ص      ) وفي ( الانشقاق ) ، ويسقط ثلاثة جاءت بلفظ الأمر وهي : التي في (  والنجم      ) وفي الثانية من الحج وفي (  اقرأ باسم ربك الذي خلق      ) .  
وأما الذين اعتمدوا السماع فإنهم صاروا إلى ما ثبت  عنه - عليه الصلاة والسلام - من سجوده في الانشقاق وفي (  اقرأ باسم ربك      ) وفي ( والنجم     ) خرج ذلك  مسلم  ، وقال  الأثرم     : سئل  أحمد  كم في الحج من سجدة ؟ قال سجدتان . وصحح حديث   عقبة بن عامر  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  أنه قال : " في الحج سجدتان     " . وهو قول  عمر  وعلي     . قال القاضي : خرجه  أبو داود     .  
وأما   الشافعي     : فإنه إنما صار إلى إسقاط سجدة ( ص ) لما رواه  أبو داود  عن   أبي سعيد الخدري     : "  أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قرأ وهو على المنبر آية السجود من سورة ( ص ) فنزل وسجد ، فلما كان يوم آخر قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال : إنما هي توبة نبي ، ولكن رأيتكم تشيرون للسجود فنزلت فسجدت     " . وفي هذا ضرب من الحجة  لأبي حنيفة  في قوله بوجوب السجود ، لأنه علل ترك السجود في هذه السجدة بعلة انتفت في غيرها من السجدات ، فوجب أن يكون حكم التي انتفت عنها العلة بخلاف التي ثبتت لها العلة ، وهو نوع من الاستدلال وفيه اختلاف ، لأنه من باب تجويز دليل الخطاب .  
وقد احتج بعض من لم ير السجود في المفصل بحديث  عكرمة  عن   ابن عباس  خرجه  أبو داود     : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ هاجر إلى  المدينة      " . قال  أبو عمر     : وهو منكر لأن   أبا هريرة  الذي روى سجوده في المفصل لم يصحبه - عليه الصلاة والسلام - إلا  بالمدينة      . وقد روى الثقات عنه :    " أنه سجد - عليه الصلاة والسلام - في (  والنجم      )     " .  
				
						
						
