[ ص: 667 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الوصايا
والنظر فيها أولا ينقسم قسمين :
القسم الأول : النظر في الأركان .
والثاني : في الأحكام .
ونحن فإنما نتكلم من هذه فيما وقع فيها من المسائل المشهورة .
[ القسم الأول ]
القول في الأركان
nindex.php?page=treesubj&link=14256_14264_14271_14283_27570والأركان أربعة : الموصي ، والموصى له ، والموصى به ، والوصية .
[ 1 - القول في
nindex.php?page=treesubj&link=14265_14267_14266الموصي ]
أما الموصي فاتفقوا على أنه كل مالك صحيح الملك ، ويصح عند
مالك وصية السفيه والصبي الذي يعقل القرب ، وقال
أبو حنيفة لا تجوز وصية الصبي الذي لم يبلغ ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القولان وكذلك وصية الكافر تصح عندهم إذا لم يوص بمحرم .
[ 2 - القول في الموصى له ] وأما الموصى له فإنهم اتفقوا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=14273الوصية لا تجوز لوارث لقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006755لا وصية لوارث " واختلفوا هل تجوز لغير القرابة ؟ فقال جمهور العلماء : إنها تجوز لغير الأقربين مع الكراهية ، وقال
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس : ترد الوصية على القرابة ، وبه قال
إسحاق .
وحجة هؤلاء ظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الوصية للوالدين والأقربين ) والألف واللام تقتضي الحصر .
واحتج الجمهور بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين المشهور وهو "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006756أن رجلا أعتق ستة أعبد له في مرضه عند موته ، لا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة " والعبيد غير القرابة .
وأجمعوا - كما قلنا - أنها لا تجوز لوارث إذا لم يجزها الورثة . واختلفوا - كما قلنا - إذا أجازتها الورثة ، فقال الجمهور : تجوز ، وقال
أهل الظاهر والمزني : لا تجوز .
وسبب الخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=14273هل المنع لعلة الورثة أو عبادة ؟ فمن قال عبادة قال : لا تجوز وإن أجازها الورثة ، ومن قال بالمنع لحق الورثة أجازها الورثة .
وتردد هذا الخلاف راجع إلى تردد المفهوم من قوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006755لا وصية لوارث " هل هو معقول المعنى أم ليس بمعقول ؟ واختلفوا في الوصية للميت ، فقال قوم : تبطل بموت الموصى له ، وهم الجمهور; وقال قوم : لا تبطل
[ ص: 668 ] وفي الوصية للقاتل خطأ وعمدا .
وفي هذا الباب فرع مشهور ، وهو إذا أذن الورثة للميت هل لهم أن يرجعوا في ذلك بعد موته ؟ فقيل لهم ، وقيل ليس لهم ، وقيل بالفرق بين أن يكون الورثة في عيال الميت أو لا يكونوا ، أعني أنهم إن كانوا في عياله كان لهم الرجوع ، والثلاثة الأقوال في المذهب .
3 - القول في
nindex.php?page=treesubj&link=14283الموصى به
والنظر في جنسه وقدره .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=14290_14291جنسه : فإنهم اتفقوا على جواز الوصية في الرقاب ، واختلفوا في المنافع ، فقال جمهور فقهاء الأمصار : ذلك جائز ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ،
وأهل الظاهر : الوصية بالمنافع باطلة .
وعمدة الجمهور أن المنافع في معنى الأموال . وعمدة الطائفة الثانية أن المنافع متنقلة إلى ملك الوارث; لأن الميت لا ملك له فلا تصح له وصية بما يوجد في ملك غيره ، وإلى هذا القول ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر .
وأما القدر : فإن العلماء اتفقوا على أنه لا تجوز
nindex.php?page=treesubj&link=14255الوصية في أكثر من الثلث لمن ترك ورثة . واختلفوا فيمن لم يترك ورثة وفي القدر المستحب منها ، هل هو الثلث أو دونه ؟
وإنما صار الجميع إلى أن الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث لمن له وارث بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006757أنه عاد nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، فقال له يا رسول الله : قد بلغ مني الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ، فقال له سعد : فالشطر ؟ قال : لا ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " ، فصار الناس لمكان هذا الحديث إلى أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث .
واختلفوا في المستحب من ذلك .
فذهب قوم إلى أنه ما دون الثلث ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث : " والثلث كثير " ، وقال بهذا كثير من السلف . قال
قتادة : أوصى
أبو بكر بالخمس ، وأوصى
عمر بالربع ، والخمس أحب إلي .
وأما من ذهب إلى أن المستحب هو الثلث فإنهم اعتمدوا على ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
إن الله جعل لكم في الوصية ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث .
وثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : لو غض الناس في الوصية من الثلث إلى الربع لكان أحب إلي ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006618الثلث والثلث كثير " .
وأما اختلافهم في
nindex.php?page=treesubj&link=14255جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن لا وارث له ، فإن
مالكا لا يجيز ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، واختلف فيه قول
أحمد ، وأجاز ذلك
أبو حنيفة وإسحاق ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
وسبب الخلاف هل هذا الحكم خاص بالعلة التي علله بها الشارع أم ليس بخاص ، وهو أن لا يترك ورثته عالة يتكففون الناس ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006759إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس "
[ ص: 669 ] فمن جعل هذا السبب خاصا وجب أن يرتفع الحكم بارتفاع هذه العلة ، ومن جعل الحكم عبادة وإن كان قد علل بعلة ، أو جعل جميع المسلمين في هذا المعنى بمنزلة الورثة ، قال : لا تجوز الوصية بإطلاق بأكثر من الثلث .
4 - القول في
nindex.php?page=treesubj&link=23286_14246المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية .
والوصية بالجملة هي هبة الرجل ماله لشخص آخر أو لأشخاص بعد موته ، أو عتق غلامه سواء صرح بلفظ الوصية أو لم يصرح به ، وهذا العقد عندهم هو
nindex.php?page=treesubj&link=14249من العقود الجائزة باتفاق ( أعني : أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به ) إلا المدبر فإنهم اختلفوا فيه على ما سيأتي في كتاب التدبير .
وأجمعوا على أنه لا يجب للموصى له إلا بعد موت الموصي .
واختلفوا في قبول الموصى له هل هو شرط في صحتها أم لا ؟ فقال
مالك : قبول الموصى له إياها شرط في صحة الوصية ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه ليس القبول شرطا في صحتها ، ومالك شبهها بالهبة .
[ ص: 667 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كِتَابُ الْوَصَايَا
وَالنَّظَرُ فِيهَا أَوَّلًا يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ :
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : النَّظَرُ فِي الْأَرْكَانِ .
وَالثَّانِي : فِي الْأَحْكَامِ .
وَنَحْنُ فَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ مِنْ هَذِهِ فِيمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ .
[ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ]
الْقَوْلُ فِي الْأَرْكَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=14256_14264_14271_14283_27570وَالْأَرْكَانُ أَرْبَعَةٌ : الْمُوصِي ، وَالْمُوصَى لَهُ ، وَالْمُوصَى بِهِ ، وَالْوَصِيَّةُ .
[ 1 - الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=14265_14267_14266الْمُوصِي ]
أَمَّا الْمُوصِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ كُلُّ مَالِكٍ صَحِيحِ الْمِلْكِ ، وَيَصِحُّ عِنْدَ
مَالِكٍ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقُرَبَ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ وَكَذَلِكَ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ تَصِحُّ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يُوصِ بِمُحَرَّمٍ .
[ 2 - الْقَوْلُ فِي الْمُوصَى لَهُ ] وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=14273الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006755لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ ؟ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَقْرَبِينَ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٌ : تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْقَرَابَةِ ، وَبِهِ قَالَ
إِسْحَاقُ .
وَحَجَّةُ هَؤُلَاءِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تَقْتَضِي الْحَصْرَ .
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَشْهُورِ وَهُوَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006756أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ فِي مَرَضِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ ، فَأَقْرَعُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً " وَالْعَبِيدُ غَيْرُ الْقَرَابَةِ .
وَأَجْمَعُوا - كَمَا قُلْنَا - أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ إِذَا لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ . وَاخْتَلَفُوا - كَمَا قُلْنَا - إِذَا أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ : تَجُوزُ ، وَقَالَ
أَهْلُ الظَّاهِرِ وَالْمُزَنِيُّ : لَا تَجُوزُ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=14273هَلِ الْمَنْعُ لِعِلَّةِ الْوَرَثَةِ أَوْ عِبَادَةٍ ؟ فَمَنْ قَالَ عِبَادَةٌ قَالَ : لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ ، وَمَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ .
وَتَرَدُّدُ هَذَا الْخِلَافِ رَاجِعٌ إِلَى تَرَدُّدِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006755لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَمْ لَيْسَ بِمَعْقُولٍ ؟ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّةِ لِلْمَيِّتِ ، فَقَالَ قَوْمٌ : تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ; وَقَالَ قَوْمٌ : لَا تَبْطُلُ
[ ص: 668 ] وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ خَطَأً وَعَمْدًا .
وَفِي هَذَا الْبَابِ فَرْعٌ مَشْهُورٌ ، وَهُوَ إِذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ لِلْمَيِّتِ هَلْ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُمْ ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُمْ ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ فِي عِيَالِ الْمَيِّتِ أَوْ لَا يَكُونُوا ، أَعْنِي أَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ كَانَ لَهُمُ الرُّجُوعُ ، وَالثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَذْهَبِ .
3 - الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=14283الْمُوصَى بِهِ
وَالنَّظَرُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=14290_14291جِنْسُهُ : فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ فِي الرِّقَابِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَنَافِعِ ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ : ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنُ أَبِي لَيْلَى nindex.php?page=showalam&ids=16438وَابْنُ شُبْرُمَةَ ،
وَأَهْلُ الظَّاهِرِ : الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ بَاطِلَةٌ .
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي مَعْنَى الْأَمْوَالِ . وَعُمْدَةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَنَقِّلَةٌ إِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا تَصِحُّ لَهُ وَصِيَّةٌ بِمَا يُوجَدُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَأَمَّا الْقَدْرُ : فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=14255الْوَصِيَّةُ فِي أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَةً . وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَرَثَةً وَفِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنْهَا ، هَلْ هُوَ الثُّلُثُ أَوْ دُونَهُ ؟
وَإِنَّمَا صَارَ الْجَمِيعُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006757أَنَّهُ عَادَ nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ، فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : قَدْ بَلَغَ مِنِّي الْوَجَعُ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : فَالشَّطْرُ ؟ قَالَ : لَا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذْرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ " ، فَصَارَ النَّاسُ لِمَكَانِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَحَبِّ مِنْ ذَلِكَ .
فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مَا دُونَ الثُّلُثِ ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ : " وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ " ، وَقَالَ بِهَذَا كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ . قَالَ
قَتَادَةُ : أَوْصَى
أَبُو بَكْرٍ بِالْخُمْسِ ، وَأَوْصَى
عُمَرُ بِالرُّبْعِ ، وَالْخُمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ .
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ الثُّلُثُ فَإِنَّهُمُ اعْتَمَدُوا عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَكُمْ فِي الْوَصِيَّةِ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ " وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
وَثَبَتَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لَوْ غَضَّ النَّاسُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبْعِ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006618الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ " .
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=14255جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ، فَإِنَّ
مَالِكًا لَا يُجِيزُ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ
أَحْمَدَ ، وَأَجَازَ ذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِالْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَهُ بِهَا الشَّارِعُ أَمْ لَيْسَ بِخَاصٍّ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَتْرُكَ وَرَثَتَهُ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006759إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ "
[ ص: 669 ] فَمَنْ جَعَلَ هَذَا السَّبَبَ خَاصًّا وَجَبَ أَنْ يَرْتَفِعَ الْحُكْمُ بِارْتِفَاعِ هَذِهِ الْعِلَّةِ ، وَمَنْ جَعَلَ الْحُكْمَ عِبَادَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلَّلَ بِعِلَّةٍ ، أَوْ جَعَلَ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِمَنْزِلَةِ الْوَرَثَةِ ، قَالَ : لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِإِطْلَاقٍ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ .
4 - الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=23286_14246الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ .
وَالْوَصِيَّةُ بِالْجُمْلَةِ هِيَ هِبَةُ الرَّجُلِ مَالَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ أَوْ لِأَشْخَاصٍ بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَوْ عَتْقُ غُلَامِهِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ، وَهَذَا الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=14249مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ بِاتِّفَاقٍ ( أَعْنِي : أَنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ ) إِلَّا الْمُدَبَّرَ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّدْبِيرِ .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْمُوصَى لَهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي .
وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَمْ لَا ؟ فَقَالَ
مَالِكٌ : قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ إِيَّاهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ الْقَبُولُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا ، وَمَالِكٌ شَبَّهَهَا بِالْهِبَةِ .