بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الأقضية
وأصول هذا الكتاب تنحصر في ستة أبواب :
أحدها : في معرفة من يجوز قضاؤه .
والثاني : في معرفة ما يقضي به .
والثالث : في معرفة ما يقضي فيه .
[ ص: 768 ] والرابع : في معرفة من يقضي عليه أو له .
والخامس : في كيفية القضاء .
والسادس : في وقت القضاء .
الباب الأول
في معرفة من يجوز قضاؤه
والنظر في هذا الباب
فأما الصفات المشترطة في الجواز : فأن يكون حرا مسلما بالغا ذكرا عاقلا عدلا . وقد قيل في المذهب إن الفسق يوجب العزل ويمضي ما حكم به . فيمن يجوز قضاؤه ، وفيما يكون به أفضل .
واختلفوا في كونه من أهل الاجتهاد ، فقال : يجب الشافعي ومثله حكى أن يكون من أهل الاجتهاد عبد الوهاب عن المذهب ، وقال أبو حنيفة : يجوز حكم العامي .
قال القاضي : وهو ظاهر ما حكاه جدي رحمة الله عليه في المقدمات عن المذهب ; لأنه جعل كون الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة .
وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة ، فقال الجمهور : هي شرط في صحة الحكم ، وقال أبو حنيفة : يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال ، قال : يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء . الطبري
قال عبد الوهاب : ولا أعلم بينهم اختلافا في اشتراط الحرية .
فمن رد شبهه بقضاء الإمامة الكبرى ، وقاسها أيضا على العبد لنقصان حرمتها ، ومن أجاز حكمها في الأموال فتشبيها بجواز شهادتها في الأموال ، ومن رأى حكمها نافذا في كل شيء قال : إن الأصل هو أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى . قضاء المرأة
وأما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه ، ولا خلاف في مذهب مالك أن السمع والبصر والكلام مشترطة في استمرار ولايته وليس شرطا في جواز ولايته ، وذلك أن من صفات القاضي في المذهب ما هي شرط في الجواز ، فهذا إذا ولي عزل وفسخ جميع ما حكم به ومنها ما هي شرط في الاستمرار وليست شرطا في الجواز ، فهذا إذا ولي القضاء عزل ونفذ ما حكم به إلا أن يكون جورا . ومن هذا الجنس عندهم هذه الثلاث صفات .
ومن شرط القضاء عند مالك أن يكون واحدا . يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل واحد منهما ما يحكم فيه ، وإن شرط اتفاقهما في كل حكم لم يجز ، وإن شرط الاستقلال لكل واحد منهما فوجهان : الجواز والمنع ، قال : وإذا تنازع الخصمان في اختيار أحدهما وجب أن يقترعا عنده . والشافعي
وأما فضائل القضاء فكثيرة ، وقد ذكرها الناس في كتبهم .
وقد اختلفوا في والأبين جوازه لكونه - عليه الصلاة والسلام - أميا ، وقال [ ص: 769 ] قوم : لا يجوز ، وعن الأمي هل يجوز أن يكون قاضيا ؟ القولان جميعا ; لأنه يحتمل أن يكون ذلك خاصا به لموضع العجز ، ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم ، وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه لا خلاف أعرف فيه . الشافعي
واختلفوا من هذا الباب في ، فقال نفوذ حكم من رضيه المتداعيان ممن ليس بوال على الأحكام مالك : يجوز ، وقال في أحد قوليه : لا يجوز ، وقال الشافعي أبو حنيفة : يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد .