الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
171 - وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " والله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا   " ، فهذه الدلائل دلت أن الله -تعالى- هو المعرف إلا أنه إنما يعرف العبد نفسه مع وجود العقل؛ لأنه سبب الإدراك والتمييز لا مع عدمه،  لأن الله -تعالى- قال: إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ، وقال: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب وقال -سبحانه وتعالى- مخبرا عن أصحاب النار: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ، والله يعطي العبد المعرفة بهدايته إلا أنه لا يحصل ذلك مع فقد العقل. وهذا كما أن العبد لا يعرف الله بجسمه، ولا بشخصه، ولا بروحه، ولا يعرفه مع عدم حسمه، وشخصه، وروحه.

كذلك لا يعرف الله بالعقل، ولا يعرفه مع عدم العقل، ونظير هذا أيضا: أن الولد لا يكون مع فقد الوطء، ولا (يكون) بالوطء، بل يكون بإنشاء الله وخلقه. وكذلك لا يكون الزرع إلا في أرض، وبذر، وماء، ولا يكون بذلك، بل يكون بقدرة الله وإنباته. قال الله تعالى: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون [ ص: 319 ] معناه: أأنتم تنبتونه أم نحن المنبتون. يقال للولد: زرعه الله أي: أنبته الله، وأمثال هذا كثيرة، والموفق يكتفي باليسير، والمخذول لا يشفيه الكثير، وقد قال بعض أهل المعرفة: إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية، لا لإدراك الربوبية، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية، فاتته العبودية، ولم يدرك الربوبية. ومعنى قولنا: إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية، هو أنه آلة التمييز بين القبيح والحسن، والسنة والبدعة، والرياء والإخلاص، ولولاه لم يكن تكليف ولا توجه أمر ولا نهي، فإذا استعمله على قدره، ولم يجاوز به حده أداه ذلك إلى العبادة الخالصة، والثبات على السنة، واستعمال المستحسنات وترك المستقبحات.

التالي السابق


الخدمات العلمية