[ ص: 355 ] 338 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة لا تألوه خبالا
2112 - حدثنا ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أبي وشعيب بن الليث وحدثنا هارون بن كامل ، قال : حدثنا ، قال : كل واحد منهم حدثني عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عبيد الله بن أبي جعفر ، عن صفوان ، عن أبي سلمة أنه قال : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي أيوب ما بعث الله من نبي ولا كان بعده من خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالا ، فمن وقي بطانة السوء فقد وقي .
[ ص: 356 ]
2113 - وما قد حدثنا ، قال أخبرنا يونس ، قال : أخبرني ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي سعيد الخدري ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالخير ، وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر ، وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله .
2114 - حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عبد الله أيوب بن سليمان بن بلال ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي أويس ، عن ، قال : قال سليمان بن بلال أخبرنا يحيى : ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي [ ص: 357 ] الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله . أبي سعيد الخدري
2115 - حدثنا ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل أيوب يعني : ابن سليمان ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن ، عن سليمان محمد بن أبي عتيق ، ، عن وموسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله . أبي سعيد الخدري
2116 - حدثنا ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن برد بن سنان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة ما من نبي ولا من خليفة - أو قال : إمام - إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وبطانة أخرى لا تألوا خبالا فمن وقي شر بطانته الثانية فقد وقي ، وهو من التي تغلب عليه منهما ، [ ص: 358 ] قال : هذا آخر ما حدث به أبو جعفر بكار .
2117 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا ، قال : حدثني بشر بن بكر ، قال : حدثني الأوزاعي ، قال : حدثني الزهري ، قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة ما من وال إلا له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالا ، فمن وقي شرها فقد وقي ، وهو من التي تغلب عليه منهما ، [ ص: 359 ] قال : فتأملنا هذه الآثار لنقف على ما أريد به إن شاء الله فكان قوله صلى الله عليه وسلم : ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا له بطانتان على ما ذكرته ، كل واحدة من تينك البطانتين مما ذكرها [ ص: 360 ] به فيها من حمد وغيره . أبو جعفر
فوجدنا الأنبياء صلوات الله عليهم يدعون الناس إلى ما أرسلوا به إليهم فيكون ذلك سببا لإتيانهم إياهم وخلطتهم بهم حتى يكونوا بذلك بطائن لهم ، وتستعمل الأنبياء في ذلك في أمورهم ما يقفون عليه منها ، فيحمدون في ذلك من يقفون على من يجب حمده بظاهره فيقربونه منهم ويعدونه من أوليائهم ، ويباعدون منهم من يقفون منه على ما لا يحمدونه منهم ويعدونه من أعدائهم ، والله أعلم بما يبطن ممن يعرفونه من حمد ومن ذم ، ثم يوقف الله عز وجل أنبياءه على ما يوقفهم عليه من باطنهم ، كما قال عز وجل لنبينا صلى الله عليه وسلم : وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم الآية .
فهذه البطانة المذمومة التي لا تألو من هي معه خبالا .
والبطانة الأخرى هي التي يوقفهم الله على ضدها ، وعلى ما هي عليه لنبيها كما أوقف الله نبينا صلى الله عليه وسلم على ما أوقفه عليه من أحوال المؤمنين به من تعزيرهم إياه ، ونصرتهم له ، واتباعهم ما يجب أن يتبع به ، كما قال عز وجل : فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنـزل معه أولئك هم المفلحون ، وكما قال عز وجل في صفاتهم : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، ثم وصفهم رضوان الله عليهم بما وصفهم حتى ختم السورة التي أنزل ذلك فيها .
فهاتان البطانتان هما البطانتان اللتان كانتا مع نبينا صلى الله عليه وسلم وكذلك [ ص: 361 ] البطائن اللاتي كن مع الأنبياء صلوات الله عليهم قبله ، ثم تأملنا قوله صلى الله عليه وسلم وهو من الغالبة عليه منهما ، فكان ذلك عندنا - والله أعلم - مما يرجع إلى غير الأنبياء ممن ذكر في هذه الآثار ، لا إلى الأنبياء ، لأن الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون لا يكونون مع من لا تحمد خلائقه ولا مذاهبه .
فقال قائل : وكيف يجوز أن يكون ذلك كما ذكرت ، وإنما في هذه الآثار رجوع الكلام على من ذكر فيها من الأنبياء وممن سواهم ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن هذا الكلام كلام عربي خوطب به قوم عرب يعقلون ما أراد به مخاطبهم والعرب قد تخاطب بمثل هذا على جماعة ثم ترده إلى بعضهم دون بقيتهم ، فمن ذلك قول الله عز وجل : يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ، فكان الخطاب في ذلك بذكر الجن والإنس ومعقول أن الرسل من الإنس لا من الجن .
ومثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث : عبادة بن الصامت بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، وقرأ آية المحنة ، وفيها الشرك والسرقة والزنى وهي قوله عز وجل : يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ، وسنذكر ذلك الحديث فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله . وفيه : فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ، ونحن نعلم أن من عوقب بالشرك فليس [ ص: 362 ] ذلك له كفارة .
وعقلنا بذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم : فمن أصاب من ذلك شيئا ، إنما هو على شيء من بعض تلك الأشياء التي في الآية لا على [ كل ] شيء من تلك الأشياء التي فيها ، فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الآثار التي رويناها وهو من التي تغلب عليه منهما يرجع ذلك على من قد يجوز أن يكون منه مثل ذلك لا على الأنبياء صلوات الله عليهم الذين لا يكون منهم مثل ذلك .
فبان بما ذكرناه جميع ما في هذه الآثار من المعاني المشكلات فيها بحمد الله ونعمته ، وإياه نسأله التوفيق .