[ ص: 142 ] 380 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقالة ذوي الهيئات عثراتهم إلا في حد من حدود الله عز وجل
2367 - حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي قال : حدثنا أسد بن موسى أبو بكر بن نافع المديني مولى العمريين قال : سمعت محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم يقول : قالت : قالت عمرة ابنة عبد الرحمن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة
قال : وقضى بذلك محمد بن أبي بكر في رجل من آل عمر رضي الله عنه شج رجلا وضربه فأرسله وقال : أنت من ذوي الهيئة : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم . .
[ ص: 143 ]
2368 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث قال : حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور أبو بكر بن نافع مولى العمريين ، ثم ذكر مثله غير أنه لم يذكر فيه ما كان من محمد بن أبي بكر في إرساله العمري ، وفي قوله له ما قاله له .
2369 - حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عامر العقدي أبو بكر بن نافع قال : سمعت محمد بن أبي بكر بن حزم يقول : قالت : قالت عمرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم .
قال : فتأملنا هذه الآثار فوجدناها كلها ترجع إلى أبو جعفر أبي بكر بن نافع ، فاحتمل أن يكون أبو بكر هذا هو أبو بكر بن نافع مولى عبد الله بن عمر الذي حدث عنه ، فإن كان كذلك فهو رجل مقبول الرواية ، فنظرنا في ذلك . مالك بن أنس
2370 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن سليمان الباغندي عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال : حدثنا أبو بكر بن نافع مولى زيد بن الخطاب قال : سمعت محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال : قالت : قالت عمرة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة أقيلوا ذوي الهيئة زلاتهم .
[ ص: 144 ] قال : فعقلنا بذلك أنه غير أبو جعفر أبي بكر بن نافع الذي روى عنه مالك وأنه في الحقيقة مولى زيد بن الخطاب ، لا مولى رضي الله عنهما . عمر بن الخطاب
2371 - ثم وجدنا نصر بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن مسلمة بن قعنب قال : حدثنا أبو بكر بن نافع المديني ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، عن ، عن عمرة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عائشة أقيلوا ذوي الهيئة عثراتهم .
فكان في هذا الحديث مكان محمد بن أبي بكر فيما رويناه قبله أبو الرجال ، وقد خالف يحيى هذا فيه أبو عامر وسعيد بن منصور وأسد بن موسى ، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ، فذكروا أنه عن محمد بن أبي بكر ، وأربعة أولى بالحفظ من واحد . ثم نظرنا هل روي فيه شيء من غير هذا الوجه . ؟
2372 - فوجدنا فهدا وابن أبي مريم حدثانا قالا : حدثنا قال : أخبرني سعيد بن [ ص: 145 ] أبي مريم قال : أخبرني العطاف بن خالد المخزومي عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، عن ، عن عمرة بنت عبد الرحمن زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم .
قال : فكان هذا الحديث قد جاء من طريق أبو جعفر عبد الرحمن بن أبي بكر من رواية العطاف إياه عنه ، ولم نسمع لعبد الرحمن هذا ذكرا في غير هذا الحديث ، ثم نظرنا هل روي هذا الحديث من غير هذه الوجوه . ؟
2373 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ابن أبي الرجال ، قال : وهو عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو محمود في روايته ، عن أبو جعفر ، عن ابن أبي ذئب عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن [ ص: 146 ] عمر بن الخطاب قال : استأدى علي مولى لي جرحته يقال له : سلام البربري إلى فأتاني فقال : جرحته ؟ فقلت : نعم ، فقال : سمعت من خالتي ابن حزم تقول : قالت عمرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : عائشة أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم . فخلى سبيله ولم يعاقبه .
[ ص: 147 ] قال : فنظرنا هل خولف أبو جعفر ابن أبي الرجال ، عن في إسناد هذا الحديث أم لا . ؟ ابن أبي ذئب
2374 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا يونس ، عن معن بن عيسى القزاز ، عن ابن أبي ذئب عبد العزيز بن عبد الله ، عن ، عن أبي بكر بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عمرة ابنة عبد الرحمن أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم .
فوقفنا على أن معن بن عيسى قد خالف ابن أبي الرجال في إسناد هذا الحديث ، عن ، فرواه عنه مقطوعا موقوفا على ابن أبي ذئب ، ثم نظرنا : هل روي من غير طريق عمرة ، عن الشيخ الذي رواه عنه ابن أبي ذئب . ابن أبي ذئب
2375 - فوجدنا قد حدثنا قال : أنبأنا أحمد بن شعيب محمد بن حاتم قال : حدثنا قال : أنبأنا سويد بن نصر ، عن عبد الله يعني : ابن المبارك عبد العزيز بن عبد الله بن عمر ، عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن حزم ، عن ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . عمرة
[ ص: 148 ] فوقفنا بذلك على قطع ابن المبارك إياه وعلى موافقته فيه معن بن عيسى ، وعلى مخالفته فيه ابن أبي الرجال .
ثم نظرنا هل روي هذا الحديث من غير هذه الوجوه ؟
2376 - فوجدنا يونس بن عبد الأعلى جميعا قد حدثانا قالا : حدثنا ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عبد الملك بن يزيد ، عن محمد بن أبي بكر بن حزم ، عن ، عن أبيه ، عن عمرة ابنة عبد الرحمن رضي الله عنها أنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : عائشة أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا حدا من حدود الله عز وجل .
[ ص: 149 ] ثم طلبنا الوقوف على عبد الملك بن زيد هذا من هو ؟ فوجدناه عبد الملك بن زيد بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، كذلك ذكره دحيم ، عن في غير هذا الحديث ، ثم نظرنا هل روى هذا الحديث ، عن ابن أبي فديك عبد الملك هذا غير ؟ ابن أبي فديك .
2377 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عبد الملك بن زيد المدني ، عن محمد بن أبي بكر ، عن ، عن أبيه ، عن عمرة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عائشة أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود .
فوقفنا على رواية ابن أبي فديك وعبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث ، عن عبد الملك بن زيد هذا ، فصار عن عدلين من أهل الحديث عنه ، وقوي هذا الحديث في قلوبنا واحتجنا إلى الوقوف على معناه .
[ ص: 150 ] فوجدنا المتقدمين من أهل العلم قد جعلوا المرادين بالتجافي عن تلك الزلات الأئمة ، وجعلوهم مأمورين بالتجافي عنها عن ذوي الهيئة ، ثم نظرنا في ذوي الهيئة .
2378 - فوجدنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي أبا علي قد حدثنا قال : حدثنا قال : حدثنا موسى بن داود محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جده تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة وهو ذو الصلاح .
فعقلنا بذلك أن ذوي الهيئة في الآثار التي تقدمت روايتنا لهم هم ذوو الصلاح لا من سواهم ، ثم طلبنا ما قال أهل العلم في المرادين بذلك الأمر فوجدنا منهم من يقول : إنهم الأئمة الذين إليهم إقامة العقوبات على الذنوب ، وإنه ينبغي لهم أن يمتثلوا ذلك فيمن أتاها إلا ما كان من ذلك من حدود الله .
وممن قال ذلك منهم رحمه الله أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن .
كما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن ، عن ، عن أبي يوسف ، ولم يحك فيه خلافا . أبي حنيفة
[ ص: 151 ] وقد روي عن رحمه الله ما يدل على أنه كان يذهب هذا المذهب أيضا ، كما حكاه لنا الشافعي الربيع عنه سماعا أو إجازة منه لنا فيما ذكره في سير الواقدي .
ومنهم من قد كان يدفع هذا الحديث ، منهم رحمه الله كما ذكر عنه مالك بن أنس أشهب بن عبد العزيز من إنكاره هذا الحديث ، ومن نفيه إياه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم تأملنا نحن معنى هذا الحديث فوجدناه محتملا أن يكون المرادون بالأمر بالتجافي عن زلات الموصوفين فيه هم الذين وجبت لهم المطالبات بالعقوبات على الآداب الواجبة بتلك الزلات عن ذوي الهيئات ؛ إذ كانت ليست لهم خلقا ولا عادة ، وإنما كانت لهم هفوة ، فكان الأحسن بهم الصفح عنها لهم ، وترك حقوقهم فيها عنهم ، كما لهم أن يعفوا عن سائر حقوقهم سواها إلا الأئمة الذين ليست تلك الحقوق لهم ، فيؤمرون بالتجافي عنها ، وقد شد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم .
2379 - كما حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . جابر بن عبد الله
[ ص: 152 ]
2380 - وكما حدثنا قال : حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا هوذة بن خليفة أبو الأشهب البكراوي ، عن عبد الله بن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أيضا . أبي بكرة
2381 - وحدثنا قال : حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا يونس بن محمد المؤدب حسين بن عازب ، عن شبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن عمرو بن الأحوص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أيضا ، غير أنه لم يقل فيه : وأموالكم .
[ ص: 153 ] قال : وكان ما وجب من الحقوق في الأموال المحرمة ، وفي الدماء المحرمة من العقوبات العفو عنها إلى أهلها الذين وجبت لهم لا إلى الأئمة الذين يقيمونها لهم ، فمثل ذلك الحقوق في الأعراض إنما هي التجافي عنها ، والعفو عنها هي إلى أهلها الذين يأخذها الأئمة لهم لا إلى الأئمة الذين يأخذونها لهم .
فقال قائل : فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : إلا حدا من حدود الله عز وجل أو إلا الحدود ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أن الذي أمر بالتجافي عنه والصفح عمن كان منه مما ذكرنا من الهفوات ومن الزلات إنما هو عمن معه المروءة أو الهيئة الذين لم يخرجهم ما كان منهم من الزلات والهفوات عما كانوا عليه قبل ذلك من المروءات ومن الهيئات التي هي الصلاح ، فاستحقوا بذلك التجافي لهم ، والعفو عنهم .
فأما من أتى ما يوجب حدا إما قذفا لمحصنة ، أو ما سوى ذلك من الأشياء التي توجب الحدود فقد خرج بذلك عن المعنى الذي أمر أن يتجافى عن زلات أهله ، وصار بذلك فاسقا راكبا للكبائر التي قد تقدم وعيد الله عز وجل لراكبيها بالعقوبات عليها ، وإلزام الفسق إياهم لأجلها وإسقاط العدل من الشهادات منهم لها ، ومن صار كذلك ، ففرض الله عز وجل على الأئمة التعزير في ذلك ، وعلى ذوي الحقوق [ ص: 154 ] الواجبة لهم فيه إقامة عقوباتهم عليهم ليكون ذلك زاجرا لهم ولغيرهم عن إتيان مثل ذلك والمعاودة له ولإقامة الحجة لما يوجب تفسيق من يجب تفسيقه منهم ، حتى لا تقبل لهم شهادة بعد ذلك على أحد من عباد الله عز وجل كما حكم الله عز وجل فيهم ، والله نسأله التوفيق .