سورة التوبة
165 - واعلموا أنكم غير معجزي الله ليس بتكرار ؛ لأن الأول للمكان ، والثاني للزمان . وقد تقدم ذكرهما في قوله : قوله : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر .
166 - فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ليس بتكرار ؛ لأن الأول في الكفار ، والثاني في اليهود فيمن حمل قوله : قوله : اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا على التوراة . وقيل : هما في الكفار ، وجزاء الأول تخلية سبيلهم ، وجزاء الثاني : إثبات الأخوة لهم ، والمعنى بإثبات الله القرآن .
167 - كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ، ثم ذكر بعده : قوله : كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، واقتصر عليه ، فذهب بعضهم إلى أنه [ ص: 134 ] تكرار للتأكيد ، واكتفى بذكر " كيف " عن الجملة بعده ، لدلالة الأولى عليه . وقيل : تقديره : كيف لا تقتلونهم ، فلا يكون من التكرار في شيء .
168 - قوله : لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، وقوله : لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة . الأول : للكفار ، والثاني : لليهود . وقيل : ذكر الأول وجعل جزاء للشرط ، ثم أعاد ذلك تقبيحا لهم فقال : ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، فلا يكون تكرارا محضا .
169 - الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم . إنما قدم قوله : في سبيل الله في هذه السورة لموافقة قوله قبله : وجاهد في سبيل الله ، وقد سبق ذكره في الأنفال ، وقد جاء بعده في موضعين : " بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله " ؛ ليعلم أن الأصل ذلك ، وإنما ههنا لموافقة ما قبله فحسب .
170 - كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون بزيادة باء ، وبعده : قوله : إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا بغير باء فيهما ؛ لأن الكلام في الآية الأولى إيجاب بعد نفي ، وهو الغاية في باب التأكيد ، وهو قولهم : وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ، فأكد المعطوف أيضا ، فالباء ليكون الكل في التأكيد على منهاج واحد ، وليس كذلك الآيتان بعده ، فإنهما خلتا من التأكيد .
171 - فلا تعجبك أموالهم بالفاء ، وقال في [ ص: 135 ] الآية الأخرى : قوله : ولا تعجبك أموالهم بالواو ؛ لأن الفاء تتضمن معنى الجزاء ، والفعل الذي قبله مستقبل يتضمن معنى الشرط ، وهو قوله : ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون . أي : إن يكن منهم ذلك فما ذكر جزاؤهم ، فكان الفاء ههنا أحسن موقعا من الواو ، والتي بعدها جاء قبلها : كفروا بالله ورسوله وماتوا بلفظ الماضي وبمعناه ، والماضي لا يتضمن معنى الشرط ، ولا يقع من الميت فعل ، فكان الواو أحسن .
172 - ولا أولادهم بزيادة " لا " ، وقال في الأخرى : قوله : وأولادهم بغير " لا " ؛ لأنه لما أكد الكلام الأول بالإيجاب بعد النفي وهو الغاية ، وعلق الثاني بالأول تعليق الجزاء بالشرط ، اقتضى الكلام الثاني من التوكيد ما اقتضاه الأول ، فأكد معنى النهي بتكرار " لا " في المعطوف .
173 - قوله : إنما يريد الله ليعذبهم ، وقال في الأخرى : أن يعذبهم ؛ لأن " أن " في هذه الآية مقدرة ، وهي الناصبة للفعل فصار في الكلام ههنا زيادة كزيادة ( الباء ، ولا ) في الآية .
174 - في الحياة الدنيا ، وفي الآية الأخرى : قوله : في الدنيا ؛ لأن الدنيا صفة الحياة في الآيتين ، فأثبت الموصوف والصفة في الأولى ، وحذف الموصوف في الثانية ، اكتفاء بذكره في الأولى ، وليس الآيتان مكررتين ؛ لأن الأولى في قوم ، [ ص: 136 ] والثانية في آخرين . وقيل : الأولى في اليهود ، والثانية في المنافقين .
وجواب آخر : وهو أن المفعول في هذه الآية محذوف ، أي أن يزيد في نعمائهم بالأموال والأولاد ليعذبهم بها في الحياة الدنيا . والآية الأخرى إخبار عن قوم ماتوا على الكفر ، فتعلقت الإرادة بما هم فيه ، وهو العذاب .
175 - يريدون أن يطفئوا نور الله ، وفي الصف : قوله : ليطفئوا . هذه الآية تشبه قوله : إنما يريد الله أن يعذبهم ، و ليعذبهم . حذف اللام من الآية الأولى ؛ لأن مرادهم إطفاء نور الله بأفواههم ، والمراد الذي هو المفعول به في الصف مضمر ، تقديره : ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب ليطفئوا نور الله . واللام لام العلة . وذهب بعض النحاة إلى أن الفعل محمول على المصدر ، أي : إرادتهم لإطفاء نور الله .
176 - ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم هذه الكلمات تقع على وجهين : قوله :
أحدهما : " ذلك الفوز " بغير " هو " ، وهو في القرآن في ستة مواضع : في براءة موضعان ، وفي يونس ، والمؤمن " غافر " ، والدخان ، والحديد . وما في براءة أحدهما بزيادة الواو ، وهو قوله : فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ، وكذلك ما في المؤمن ، بزيادة الواو .
[ ص: 137 ] والجملة إذا جاءت بعد جملة من غير تراخ بنزول جاءت مربوطة بما قبلها ، إما بواو العطف ، وإما بكناية تعود من الثانية إلى الأولى ، وإما بإشارة فيها إليها ، وربما يجمع بين الاثنين منها والثلاثة للدلالة على مبالغة فيها ، ففي براءة : خالدين فيها ذلك الفوز ، خالدين فيها أبدا ذلك الفوز ، وفيها أيضا : ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز ، فجمع بين اثنين ، وبعدها : فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ، فجمع بين الثلاثة تنبيها على : أن الاستبشار من الله تعالى يتضمن رضوانه ، والرضوان يتضمن الخلود في الجنان .
قلت : ويحتمل أن ذلك لما تقدمه من قوله : وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ، ويكون كل واحد منها في مقابلة واحد ، وكذلك في المؤمن تقدمه فاغفر ، وقهم ، وأدخلهم ، فوقعت في مقابلة الثلاثة .
177 - وطبع على قلوبهم ، ثم قال بعده : قوله : وطبع الله ؛ لأن قوله : وطبع محمول على رأس المائة ، وهو قوله : وإذا أنزلت سورة مبني للمجهول ، والثاني : محمول على ما تقدم من ذكر الله تعالى مرات ، فكان اللائق وطبع الله . ثم ختم كل آية بما يليق بها فقال في الأولى : لا يفقهون ، وفي الثانية : لا يعلمون ؛ لأن العلم فوق الفقه ، والفعل المسند إلى الله فوق المسند إلى المجهول .
178 - وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون ، وقال في الأخرى : قوله : فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون ؛ [ ص: 138 ] لأن الأولى في المنافقين ، ولا يطلع على ضمائرهم إلا الله تعالى ، ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - بإطلاع الله إياه عليها ، كقوله : قد نبأنا الله من أخباركم ، والثانية في المؤمنين ، وطاعات المؤمنين وعباداتهم ظاهرة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين . وختم آية المنافقين بقوله : ثم تردون ، فعطفه على الأول ؛ لأنه وعيد . وختم آية المؤمنين بقوله : وستردون ؛ لأنه وعد ، فبناه على قوله : فسيرى الله .
179 - قوله : إلا كتب لهم به عمل صالح ، وفي الأخرى : إلا كتب لهم ؛ لأن الآية الأولى مشتملة على ما هو من عملهم ، وهو قوله : ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا ، وعلى ما ليس من عملهم ، وهو : الظمأ والنصب والمخمصة . والله سبحانه وتعالى بفضله أجرى ذلك مجرى عملهم في الثواب فقال : إلا كتب لهم به عمل صالح أي : جزاء عمل صالح . والثانية : مشتملة على المشاق وقطع المسافات ، فكتب لهم ذلك بعينه ، وكذلك ختم الآية بقوله : ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ، لكن الكل من عملهم ، فوعدهم أحسن الجزاء عليه ، وختم الآية بقوله : إن الله لا يضيع أجر المحسنين ، حتى ألحق ما ليس من عملهم بما هو من عملهم ، ثم جازاهم على الكل أحسن الجزاء .