سورة الكهف
283 - سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم بغير واو قوله تعالى : ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم بزيادة واو .
في هذه الواو أقوال : إحداها : أن الأول والثاني وصفان لما قبلها ، أي : هم ثلاثة ، وكذلك الثاني ، أي : هم خمسة سادسهم كلبهم ، والثالث عطف على ما قبله ، أي : هم سبعة ، عطف عليه : وثامنهم كلبهم .
وقيل : كل واحد من الثلاثة جملة وقعت بعدها جملة ، وكل جملة وقعت بعدها جملة فيها عائد يعود منها إليها ، فأنت في إلحاق واو العطف وحذفها بالخيار ، وليس في هذين القولين ما يوجب تخصيص الثالث بالواو .
وقال بعض النحويين : السبعة نهاية العدد ، ولهذا كثر ذكرها في القرآن والأخبار ، والثمانية تجري مجرى استئناف كلام ، ومن هنا لقبه جماعة من المفسرين بواو الثمانية ، واستدلوا بقوله سبحانه : التائبون العابدون الحامدون . . . إلى : . . . والناهون عن المنكر [ ص: 169 ] الآية ، وبقوله : مسلمات مؤمنات قانتات . . . إلى : ثيبات وأبكارا الآية ، وبقوله : وفتحت أبوابها ، وزعموا أن هذه الواو تدل على أن أبوابها ثمانية ، ولكل واحد من هذه الآيات وجوه ذكرتها في موضعها .
وقيل : إن الله حكى القولين الأولين ولم يرضهما ، وحكى القول الثالث فارتضاه ، وهو قوله : ويقولون سبعة ، ثم استأنف فقال : وثامنهم كلبهم ، ولهذا عقب الأول والثاني بقوله : رجما بالغيب ، ولم يقل في الثالث .
فإن قيل : وقد قال في الثالث : قل ربي أعلم بعدتهم .
فالجواب : تقديره : قل : ربي أعلم بعدتهم ، وقد أخبركم أنهم سبعة ، وثامنهم كلبهم . بدليل قوله : ما يعلمهم إلا قليل ، ولهذا قال : أنا من ذلك القليل ، فعد أسماءهم . ابن عباس
وقال بعضهم : الواو في قوله : ويقولون سبعة يعود إلى الله تعالى ، فذكر بلفظ الجمع كقوله : " أما " وأمثاله ، هذا على الاختصار .
284 - ولئن رددت إلى ربي ، وفي حم ( فصلت ) : قوله : ولئن رجعت إلى ربي ؛ لأن الرد عن الشيء يتضمن كراهة المردود . ولما كان في الكهف تقديره : ولئن رددت عن جنتي هذه التي أظن ألا تبيد أبدا إلى ربي ، كان لفظ الرد الذي يتضمن الكراهة أولى . وليس في حم ما يدل على الكراهة ، فذكر بلفظ الرجع ليقع في كل سورة ما يليق بها .
285 - ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ، وفي السجدة : قوله : ثم أعرض عنها ؛ لأن الفاء للتعقيب ، وثم للتراخي ، وما في هذه السورة في الأحياء من الكفار ، إذ ذكروا فأعرضوا عقيب ما ذكروا ، ونسوا ذنوبهم وهم بعد متوقع منهم [ ص: 170 ] أن يؤمنوا ، وما في السجدة في الأموات من الكفار ، بدليل قوله : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم . أي : ذكروا مرة بعد أخرى ، وزمانا بعد زمان ، ثم أعرضوا عنها بالموت ، فلم يؤمنوا ، وانقطع رجاء إيمانهم .
286 - نسيا حوتهما فاتخذ سبيله . وفي الآية الثالثة : قوله : واتخذ سبيله ؛ لأن الفاء للتعقيب والعطف ، فكان اتخاذ الحوت للسبيل عقيب النسيان ، فذكر بالفاء . وفي الآية الأخرى لما حيل بينهما بقوله : وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره زال معنى التعقيب ، وبقي العطف المجرد ، وحرفه الواو .
287 - لقد جئت شيئا إمرا ، وبعده : قوله : لقد جئت شيئا نكرا ؛ لأن الإمر : العجب والمعجب . والعجب يستعمل في الخير والشر ، بخلاف النكر ؛ لأن ما ينكره العقل فهو شر ، وخرق السفينة لم يكن معه غرق ، فكان أسهل من قتل الغلام وإهلاكه ، فصار لكل واحد معنى يخصه .
288 - ألم أقل إنك ، وبعده : قوله : ألم أقل لك إنك ؛ لأن الإنكار في الثانية أكثر . وقيل : أكد التقدير الثاني بقوله : " لك " ، كما تقول لمن توبخه : " لك أقول ، وإياك أعني " . وقيل : بين في الثاني المقول له لما لم يبين في الأول .
289 - فأردت أن أعيبها ، وفي الثاني : قوله في الأول : فأردنا أن يبدلهما ربهما ، وفي الثالث : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ؛ لأن الأول في الظاهر إفساد ، فأسنده إلى نفسه ، والثالث إنعام محض فأسنده إلى الله - عز وجل - ، والثاني إفساد من حيث القتل ، إنعام من حيث التأويل ، فأسنده إلى نفسه وإلى الله - عز وجل - .
[ ص: 171 ] وقيل : القتل كان منه ، وإزهاق الروح كان من الله سبحانه .
قوله : ما لم تستطع عليه صبرا ، جاء في الأول على الأصل ، وفي الثاني : تسطع عليه صبرا على التخفيف ؛ لأنه الفرع .
290 - فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا اختار التخفيف في الأول ؛ لأن مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول ، فاختار فيه الحذف ، والثاني مفعوله اسم واحد ، وهو قوله : قوله : نقبا .
وقرأ بالتشديد ، وأدعم التاء في الطاء في الشواذ ، فما استطاعوا بفتح الهمزة وزنه استفعلوا . ومثلها : استخذ فلان أرضا ، أي : أخذ أرضا ، وزنه استفعل ، ومن اهراق ووزنه استفعل ، وقيل : استعمل من وجهين . وقيل : السين بدل التاء ، ووزنه افتعل . حمزة