سورة الصافات
425 - أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ، وبعدها : قوله تبارك وتعالى : أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون ؛ لأن الأول حكاية كلام الكافرين ، وهم منكرون للبعث ، والثاني قول أحد الفريقين لصاحبه عند وقوع الحساب والجزاء وحصوله فيه ، كان لي قرين ينكر الجزاء وما نحن فيه ، فهل أنتم تطلعونني عليه ؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين . قيل : كانا أخوين . وقيل : كانا شريكين . وقيل : هما بطروس الكافر ، ويهوذا مسلم . وقيل : القرين هو إبليس .
426 - وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، وبعده : قوله : فأقبل بالفاء ، وكذلك في ن والقلم آية " 30 " ، [ ص: 213 ] لأن الأول لعطف جملة على جملة فحسب ، والثاني لعطف جملة على جملة بينهما مناسبة والتئام ؛ لأنه حكى أحوال أهل الجنة ومذاكرتهم فيها ما كان يجري في الدنيا بينهم وبين أصدقائهم ، وهو قوله : وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون أي يتذاكرون .
وكذلك في ن والقلم هو من كلام أصحاب الجنة بصنعاء ، لما رأوها كالصريم ، وندموا [ على ] ما كان منهم ، وجعلوا يقولون : سبحان ربنا إنا كنا ظالمين . بعد أن ذكرهم التسبيح أوسطهم . ثم قال : فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون أي على تركهم الاستثناء وتخافتهم أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين .
427 إنا كذلك نفعل بالمجرمين ، وفي المرسلات : - قوله : كذلك نفعل بالمجرمين ؛ لأن في هذه السورة حيل بين الضمير ، وبين كذلك بقوله : فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ، فأعاد .
وفي المرسلات متصل بالأول ، وهو قوله : ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ، فلم يحتج إلى إعادة الضمير .
428 - إذا قيل لهم لا إله إلا الله ، وفي القتال : قوله : فاعلم أنه لا إله إلا الله بزيادة " أنه " ، وليس لهما في القرآن ثالث ؛ لأن ما في هذه السورة وقع بعد القول ، فحكى ( المقول ) ، وفي القتال وقع بعد العلم ، فزيد قبله " أنه " ؛ ليصير مفعول العلم ، ثم يتصل به ما بعده .
[ ص: 214 ] 429 - قوله : وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين ، وبعده : سلام على إبراهيم ، ثم : سلام على موسى وهارون ، وكذلك : سلام على إل ياسين فيمن جعله لغة في إلياس . ولم يقل في قصة لوط ولا يونس ولا إلياس : " سلام " ؛ لأنه لما قال : وإن لوطا لمن المرسلين ، و وإن يونس لمن المرسلين ، وكذلك : وإن إلياس لمن المرسلين ، فقد قال : سلام على كل واحد منهم ؛ لقوله في آخر السورة : وسلام على المرسلين .
430 - ، وفي قصة قوله : " إنا كذلك نجزي المحسنين " إبراهيم : كذلك ، ولم يقل : " إنا " ؛ لأنه تقدم في قصته : إنا كذلك نجزي المحسنين . ولا بقي من قصته شيء ، وفي سائرها بعد الفراغ ، ولم يقل في قصتي لوط ويونس : " إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين " ؛ لأنه لما اقتصر من التسليم على ما سبق ذكره اكتفى بذلك .
431 - بغلام حليم ، وفي الذاريات : قوله : عليم ، وكذلك في الحجر " 53 " ؛ لأن التقدير : بغلام حليم في صباه ، عليم في كبره .
وخصت هذه السورة بحليم ؛ لأنه ( عليه السلام ) حليم ، فاتقاه وأطاعه ، وقال : يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، والأظهر أن الحليم إسماعيل ، والعليم إسحاق ؛ لقوله : فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها . قال : [ ص: 215 ] العليم والحليم في السورتين مجاهد إسماعيل . وقيل : هما في السورتين إسحاق . وهذا عند من زعم أن الذبيح إسحاق . وذكرت ذلك بشرحه في موضعه .
432 - وأبصرهم فسوف يبصرون ، ثم قال : قوله : وأبصر فسوف يبصرون كرر ، وحذف الضمير من الثاني ؛ لأنه لما نزل وأبصرهم قالوا : متى هذا الوعد الذي توعدنا به ؟ فأنزل الله : أفبعذابنا يستعجلون كرر تأكيدا . وقيل : الأولى في الدنيا ، والثانية في العقبى . والتقدير : أبصر ما ينالهم فسوف يبصرون ذلك .
وقيل : أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون معاينة . وقيل : بعد ما ضيعوا من أمرنا فسوف يبصرون ما يحل بهم .
وحذف الضمير من الثاني اكتفاء بالأول . وقيل : الضمير مضمر تقديره : ترى اليوم خيرهم إلى تول ، وترى بعد اليوم ما تحتقر ما شاهدتهم فيه من عذاب الدنيا .
وذكر في المتشابه : فقال ألا تأكلون بالفاء ، وفي الذاريات : قال ألا تأكلون بغير فاء ؛ لأن ما في هذه السورة اتصلت جملة بخمس جمل كلها مبدوءة بالفاء على التوالي ، وهي : فما ظنكم الآيات " 87 - 90 " والخطاب للأوثان تقريعا لمن زعم أنها تأكل وتشرب .
وفي الذاريات متصل بمضمر تقديره : فقربه إليهم فلم يأكلوا ، فلما رآهم لا يأكلون [ قال : ألا تأكلون ] . والخطاب للملائكة ، فجاء في كل موضع بما يلائمه .